تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويُردّ بالشرط الثاني كل إعجاز علمي مبني على معنى محتمَل في الآية، حتى لو التزم صاحبه بصحة المعنى الآخر الذي فهمه السابقون أو بعضهم من الآية؛ لاحتمال أن يكون وحده هو مراد الله تعالى من الآية دون غيره من المعاني المحتملة، وإذا دخل الاحتمال سقط الاستدلال.

ومثال ذلك الإعجاز المدّعى في قوله تعالى: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض} [النور]، وأن المراد بها الموج الباطني والموج السطحي؛ فإن عامة المفسرين على أن المراد بالموج الذي من فوقه موج هو هذه الأمواج المترادفة المتراكبة المتتابعة المتلاطمة، التي يشاهدها مباشرة كل من نظر إلى بحر هائج، فهي مراد للآية قطعا؛ وإلا لم يكن المثل المضروب للكافر مفهوما لمن لا يعرف الموج الباطني.

وهكذا الإعجاز المدّعى في قوله تعالى {كأنما يصّعّد في السماء}؛ وأن المراد بها الضغط الجوي!، مع أن الآية تضرب مثلا ليفهمه السامعون منذ نزلت، وقال بعدها: {قد فصلنا الآيات لقوم يذّكرون}، فليت شعري ما ذا فهموا من الآية إن كان مرادها الضغط الجوي؟ وإن كان ما فهموه حقا وهو أن صدره يضيق عن الإيمان ضيقا معنويا لا حسيا، فيمتنع عليه الإيمان امتناع التصعد في السماء، لم يبق للإعجاز العلمي إلا الاحتمال البعيد المتكلف.

ويُردّ بالشرط الثالث كل إعجاز علمي مبنيٍّ على معنىً كان الناس يعرفون مطابقته للواقع في نفس الأمر قبل تحّدث النبي صلى الله عليه وسلم به.

ومثال ذلك الإعجاز المدّعى في الآيات التي تتحدث عن أطوار خلق الإنسان؛ فإنها ذُكرت في سياق يقتضي معرفة المخاطبين السابقة بحقيقة هذه الأطوار، وهو سياق الاحتجاج بخلق الإنسان أول مرة على إعادة خلقه بعد الموت، سواء قلنا إن قومه علموها من النبوات السابقة أو بالحس، فعلى كلا الوجهين لا تكون برهانا على النبوة وهم يعلمون حقيقتها قبل أن يذكرها لهم.

ومثاله أيضا الإعجاز المدعى في قوله تعالى: {إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث}، من جهة أنه يشير إلى حقيقة علمية مكتشفة عن الكلب، وهو أنه ليس له غدد عرقية تذكر كبقية الحيوانات، فلذلك يلهث، فالسؤال هنا: ما الذي زادته الآية عما فهمه الناس قديما عن لهث الكلب؟ أليس ضرب المثل مؤكدا فهمهم التام للمعنى؟ {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}.

ويرد بالشرط الرابع كل إعجاز علمي مدعىً في حديث نبوي ليس في شأن ديننا؛ مما يَحتمل أن يكون مقولا على سبيل الظن والاجتهاد، لا بوحي من الله تعالى.

ومثاله كل إعجاز علمي مدعى في أحاديث طب الأبدان التي لم يرد فيها تصريح بأنها وحي من الله تعالى.

ويرد بالشرط الخامس كل إعجاز علمي لم توثَّق فيه الحقيقة العلمية على وجه يمنع خفاءها والخلاف حولها والمراجعة فيها من العقلاء، ويسوّغ التحدّي بثباتها ويقينيتها على صدق النبوة.

ومثال ذلك ما راج مؤخرا من الإعجاز المدّعى في نصوص عذاب البرزخ، المبني على صوت مسجّل من باطن الأرض يُسمع فيه ما يشبه الصراخ واللغط، وأنه صوت المعذبين في البرزخ، التقطته أجهزة قياس الموجات الصوتية مصادفة.

ومما قد يصلح مثالا لانطباق هذه الشروط قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الذباب: (إن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء)، وإن كان من تردد فيه فإنما هو من قبل تحقق الشرط الخامس؛ فإن المطلوب اشتهار ذلك بقدر شهرة نقل الذباب للأمراض، الذي دأبنا على سماعه والتحذير منه، أما أن يُعتمد فيه على باحث قد يخالفه ألف باحث فلا.

وبعد، فبالتأمل في عامة ما يتداوله المتحمسون للإعجاز العلمي يظهر أنهم لا يراعون هذه الملاحظات المنهجية، وأنه لا يكاد يستقيم لهم مثال صالح للدلالة اليقينية على النبوة، وإنما تصلح عامة أمثلتهم للدلالة على الربوبية، من جهة توسيع مدلول الدعوة القرآنية للتدبر في خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة، بحيث تشمل على وجه العموم التفاصيل الدقيقة المكتشفة، وتلك قضية مغايرة تماما لقضية الإعجاز والدلالة على النبوة، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ـ[العيدان]ــــــــ[05 Aug 2007, 07:42 م]ـ

بارك الله فيك شيخنا ..

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[05 Aug 2007, 07:47 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير