* أريد أن أقول إن القرآن نزل لنا لنفهمه، فالقرآن ليس طلاسم؛ فهو بيان من الله ونزل في حدود طاقة القدرة الإنسانية وهو غير متجاوز لقدرة الإنسان.
** عفوا .. القرآن يمكن أن يتجاوز قدرة الإنسان؛ على الأقل في فترة معينة، فهو -مثلا- نزل على أهل الصحراء والبدو، ومن المنطقي أن يصعب عليهم فهم بعض الأشياء التي يفهمها أهل عصرنا مثلا، على الأقل وفق منهج الإعجاز العلمي الذي تتبناه! فما تدعو له الآن لم يكن واردا أن يفهمه أهل البدو والصحراء! والله يفتح على الناس في كل زمن بفهم جديد، والقرآن لا تنقطع عجائبه ولا يَخلق على كثرة الرد.
* رسالة القرآن المحددة هي الدين، وركائز الدين أربع، أساسيات أربعة؛ هي العقيدة، العبادة، الأخلاق، المعاملات، هذه القضايا صاغها الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه صياغة محكمة منضبطة لا تقبل التأويل، فمثلا (أقم الصلاة) تعني إقامة الصلاة وليس لها معنيان، و (كتب عليكم الصيام) تعني كتب عليكم الصيام، وهكذا (وآتوا الزكاة) و (لله على الناس حج البيت) .. فهذا يفهمه البدوي ويفهمه أستاذ التفسير .. هذا ما أريد قوله .. لب القرآن الكريم قضايا محكمة واضحة الدلالة لا تحتاج إلى جهد بشري حتى يفهمها الإنسان، ولكن الذي يحتاج إلى جهد هو الإشارات الكونية وذكر الأمم السابقة والقضايا النفسية والقضايا التربوية.
** كيف يمكن أن تتحول الإشارات الكونية التي كنا نفهمها في إطار الدعوة الإلهية للتفكر والتدبر في خلق الله، لتصبح إعجازا علينا الإيمان به كحقيقة منتهية رغم أننا عرفناها وفق ما قرره علماء هذا العصر أو غيره؟ هل يمكن أن تتحول الاكتشافات العلمية إلى مطلق لا بد أن أومن به؟ أتفهم مثلا أنه إذا ثبتت حقيقة علمية يمكن أن نجد إشارة قرآنية لها أن تكون مما يزيدنا إيمانا بالله وما جاء به الوحي، لكن كيف يمكن أن تتحول إلى مطلق: مثلها مثل النص لا حيلة لنا أمامه سوى الإيمان به؟ ألا يؤدي ذلك إلى تطابق النسبي والمطلق؟ وكيف يمكن لنا أن نزعم تطابقا بين نص طريقه الوحي وآخر طريقه أفهام واجتهادات البشر قابلة للتغير؟
* يحدث جدا وبمنتهي السهولة .. وما المشكلة؟ .. القرآن حمّال أوجه بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن الآية القرآنية ترد بألفاظ محددة يَفهم منها أبناء كل جيل معنى من المعاني، وتظل هذه المعاني تتسع مع اتساع المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد .. والقرآن يدعونا إلى تدبر النص القرآني) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (و) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ( .. نحن مطالبون بنص القرآن أن نفهم هذه الآيات ونتدبرها وألا نحفظها دون فهم، لنفهم الحقائق الكونية التي وراءها، لكن فهمها أو عدم فهمها لا علاقة له بإيمانك.
** ما تفعلونه أنتم يعطي للحقيقة العلمية إطلاقية ليست لها، وإنما للآية التي طابقتم الحقيقة عليها، فأنا أومن بأن عسل النحل فيه شفاء للناس؛ لأن القرآن يقول:) يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ (، وليس لأن العلماء اكتشفوا بتجاربهم أن العسل فيه شفاء .. الإطلاق والتسليم يجب أن يكون للنص وليس للحقيقة العلمية كما أفهمه من كلامكم.
* ولو أثبت العلم هذا الشفاء فهل يضر هذا بالقرآن أم يدعمه؟
** لا يهمني أن يثبته العلم أو ينفيه!
* مقاطعا: لماذا تتهرب من إجابة السؤال: ماذا لو أثبت العلم هذا؟
** ولو أثبته فسأقول: إن ثبت فهذا ما قال ربي وصدق الله، ولكن هذا حين يكون من نص قطعي الدلالة كما في هذه الآية.
* وهل يدعم القرآن أم يضره؟
** هذا لا يدعم القرآن ولا يضره!
* محتجا: لا لا .. هذا عندك أنت!
** في كل حديثك يبدو وكأنك تؤمن وتؤكد على فكرة أن الحقيقة العلمية يمكن أن تكون ثابتة ومطلقة ألا يتنافى ذلك مع كون العلم متغيرًا؟
* العلم يمكن أن يتغير في مرحلة الفروض والنظريات، لكن إذا وصل العلم لمرحلة القانون فلن يتغير، مثل: 1+1=2.
** وهل هذا علم؟
* نعم هذا علم .. علم الرياضة .. وهذه حقيقة مطلقة .. وكذلك وصول العلم إلي كروية الأرض وقياسه لأقطارها .. هذه حقيقة علمية لن تتغير أبدا!
¥