* لا .. كان يقصد بها أصغر شيء ولكنهم ضربوا النمل والتراب كمثل، الله يقول:) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ (فهل معنى هذا أن أظل متوقفا عند تفسير ابن كثير طول عمري؟! .. هذا مستحيل، إذا فعلت ذلك فسأنعزل عن زماني وعصري وهذا غير مطلوب، أنا لا أتجاوز اللغة أبدا، فأنا أوظف اللغة قبل التفسير العلمي؛ لأن اللغة أساس، لكن في القضايا الكونية يجب أن ألجأ إلى العلم أيضا.
** أعود للسؤال ثانية ألا تتفق معي أن الإعجاز العلمي بهذه الصورة هو أحد تجليات التأثر الإسلامي بالحداثة الغربية، من حيث الإيمان بالعلم كمطلق واتخاذه أساسا لتفسير النص وربما دليلا له؟
* لا يا أخي .. أنا أحد أقدم من تحدثوا بالإعجاز العلمي ولم أتأثر بالحداثة أبدا؛ لأنني رجل مؤمن إيمانًا عميقًا بالله وبأن القرآن هو كلام الله تعالى وبرسالة خاتم المرسلين .. ولا توجد حداثة أثرت فيَّ على الإطلاق، أين هي الحداثة؟ فهل لكوني أستخدم وأوظف حقائق علمية قائمة يفسر هذا على أنني تأثرت بالحداثة؟.
** سؤال يبدو غريبا: ما أهمية الإعجاز العلمي؟
* أولا يفيد المسلم في فهم دلالة الآيات فهما عميقا، ويثبت له صدق القرآن الكريم بالإشارة إلى هذه الحقيقة ويزيد الإيمان في قلبه ويزيده يقينا بالقرآن الكريم، ويدعو غير المسلمين لقراءة القرآن الكريم من مدخل الآيات الكونية كما حدث مع عشرات العلماء، مثل موريس بوكاي وكيت مور وكثير من الذين أسلموا.
العلم والهداية .. ووجه العلاقة بينهما
** وهل تؤمن بأن العلم يمكن أن يكون سببا للهداية؟
* طبعا فالعلم والمعرفة سبب للهداية.
** كيف؟
* لو ثبت لعالم غربي حقيقة كونية لم تكن معروفة قبل 100 سنة مثلا، وأن هناك كتابا قبل ألف وأربعمائة سنة يتحدث عنها فسيقنعه هذا بجدية هذا الكتاب وسيدفعه لقراءته، وقد يكون ذلك مدخله للإيمان.
** وما رأيك في القول بأنه لا علاقة شرطية أو طردية أو من أي نوع بين الإيمان والعلم وأن الثابت أن أكثر أهل العلم غير مسلمين، بل وربما غير مؤمنين من الأصل؟
* لا لا .. عفوا .. أنت تخلط بين قضيتين مختلفتين .. أولا: نحن في العالم العربي نعاني من ازدواجية خطيرة في التعليم، فنحن نخرج علماء لغويين وشرعيين على أعلى مستوى، لكن لا يعرفون شيئا عن معطيات العلوم الحديثة، ونخرج علماء مدنيين على أعلى مستوى لكنهم لا يعرفون دينهم، هذا الفصل هو الذي أدى الى هذا الكم الكبير من المثقفين غير المتدينين .. في نفس الوقت نرى في الغرب أن الصراع الذي قام بين الكنيسة ورجال العلم واضطهاد العلماء وقتلهم وسجنهم وتعذيبهم .. جعل العالم ينطلق بعيدا عن العقيدة وجعل الناس هناك ترفض التعامل إلا مع المادي الملموس المدرك؛ فعزل الغربيين عن الدين وعزل المتعلمين عندنا عن الدين وعزل أهل الدين عن العلم .. هذا هو سبب الأزمة التي نمر بها، وما كان للعلم أن يعادي الدين أبدا.
** ومن قال ذلك؟ أنا لم أقل معاداة العلم للدين؟ بل قلت إنهما مجالان منفصلان؛ أي من طبيعتين مختلفتين؟
* لا .. لا .. أبدا .. هذا الخلط راجع لازدواجية التعليم.
** ليكن .. هل لي أن أتعامل مع النص الديني كما أتعامل مع معطى علمي؛ أي من خلال المشاهدة والتجربة والبرهان؟
* إذا كان النص آية كونية أتعامل معه بالتجربة والمشاهدة والبرهان، وهناك مثال في الحديث النبوي الصحيح: "كل بني آدم يبلى عظمة إلا عجب الذنب" هذا الحديث وضعه كل علماء الحديث في غريب الحديث وشككوا فيه، ثم نفاجأ بأن عالما ألمانيا "هانز سبيمان" حاز جائزة نوبل 1935م حقق هذا الحديث تجريبيا علميا دون أن يعلم به؛ إذ لاحظ أن هذه العظمة يخلق منها في الجنين كل أعضاء الجسم وأنها لا تبلى أبدا، فأعطوه جائزة نوبل، وكذلك ما جاء في قوله تعالي:) فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ (في سورة النحل حيث يثبت العلم صحة هذا القول .. أليس هذا دعما للآية الكريمة؟!.
** إذا صحت هذه الحالة ألا يكون الإيمان هنا إيمانًا بالآية وما قاله الله تعالى وليس إيمانا بالعلم؟
* طبعا .. طبعا .. لكن يوجد من هو غير مؤمن بهذا ولا يؤمن بالقرآن أصلا، وأنت مطالب بتبليغه ودعوته إلى الإسلام "بلغوا عني ولو آية" .. ووسيلتي في الدعوة أن أحلل له العسل وأثبت له صحة الآية، وبالفعل فقد حللوا وأثبتوا صحة هذه الآية.
¥