? وكما تكون العزة خلقاً كريما ًووصفاً حميداً إذا قامت على الحق والعدل واستمدها صاحبها من حمى ربه لا من سواه: " أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً " ... تكون العزة الكاذبة أو الضالة خلقاً ذميماً حين تقوم على البغي والفساد ومن ذلك النوع قول الله تعالى: "بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ " فعزة الكافرين تَعزُّزٌ كاذبٌ, ولذلك قيل: "كل عزٍّ ليس بالله فهو ذل " ومن ذلك أيضاً قوله تعالى عن بعض الضالين: " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ " والعزة هنا مستعارة للحمية الجاهلية والأنفة الذميمة, ومن ذلك أيضا قوله تعالى: " وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً " أي يحاولون التَّمنُعَ به من العذاب وهيهات هيهات.
? رحم الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أراد أن يوطد في نفس أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قواعد العزة عندما أرغمه بعض حكام عصره على شدة تعرض لها فقال: " يا أبا ذر رضي الله عنه إنك غضبت لله فارج من غضبت له, إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك, فاترك في أيديهم ما خافوك عليه, واهرب بما خفتهم عليم فما أحوجهم إلى ما منعته وما أغناك عما منعوك, وستعلم من الرابح غداً والأكثر حسداً ولو أن السماوات والأرض كانتا على عبدٍ رتقاً ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً. لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم أحبوك ولو قرضت منها أمنوك ". أي: لو ذللت ونلت من متاع الدنيا لما خافوك.
? معاني العزة في القرآن:
1 ـ العظمة, ومنه قوله تعالى: " وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ "، وقوله تعالى: " قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ".
2 ـ المَنَعة, ومنه قوله تعالى: " أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ".
3 ـ الحميَّة , ومنه قوله تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ "، وقوله تعالى: " بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ".
? أقسام العزة:
1 ـ عزةٌ شرعية وهي:التي ترتبط بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعتز المرء بدينه ويرتفع بنفسه عن مواضع المهانة فهو لا يُريق ماء وجهه ولا يبذل عرضه فيما يدنسه فيبقى موفور الكرامة مرتاح الضمير مرفوع الرأس شامخ العرين سالماً من ألم الهوان متحرراً من رق الأهواء ومن ذل الطمع لا يسير إلا وفق ما يمليه عليه إيمانه والحق الذي يحمله ويدعو إليه, روى البيهقي في شعب الإيمان ج2/ص247,قال:" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال سمعت أبا عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول ثلاثة من أعمال المراقبة ايثار ما أنزل الله وتعظيم ما عظم الله وتصغير ما صغر الله قال وثلاثة من أعلام الاعتزاز بالله التكاثر بالحكمة وليس بالعشيرة والاستعانة بالله وليس بالمخلوقين والتذلل لأهل الدين في الله وليس لأبناء الدنيا".
2 ـ عزةٌ غير شرعية وهي: التي ترتبط بالكفر والفسق و النسب والوطن والمال ونحوها. فكل هذه مذمومة.
ولها صورٌ منها:
? الاعتزاز بالكفار من يهودٍ ونصارى ومنافقين وعلمانيين وحداثيين وغيرهم.
? الاعتزاز بالآباء والأجداد.
? الاعتزاز بالقبيلة والرهط.
? الاعتزاز بالكثرة, سواءاً كان بالمال أو العدد.
? الاعتزاز عند النصح والإرشاد, وذلك بعدم قبول النصيحة.
? الاعتزاز بجمال الثياب.
? الاعتزاز بالأصنام والأوثان.
? الاعتزاز بالجاه والمنصب.
? مصدر العزة:
هو الله تعالى والالتجاء إليه فهو يُذِلُّ من يشاء ويُعِزُّ من يشاء وهو على كل شيء قدير.
قال القرطبي: فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ويدخل دار العزة, فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به فإنه من اعتز بالعبد أذله الله ومن اعتز بالله أعزه الله.
قال أبو بكر الشبلي: من اعتز بذي العز فذو العزِّ له عزٌُ.
قال الشافعي: من لم تُعِزُّهُ التقوى فلا عز له.
¥