تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد فصل القران في شان نجاة عيسى عليه السلام، وأكد أن المجرمين الكفرة لم يقتلوه ولم يصلبوه بل رفعه الله إليه بينما أشار مجرد إشارة إلى الأخطار المحيطة بيحيى، من خلال ذكر سلام الله عليه .. ومن الواضح أن عيسى عليه السلام قد تعرض لخطر كبير .. أكبر بكثير من الخطر الذي تعرض اليه يحيى عليه السلام، وهذا متوقع وطبيعي ومنطقي، إذ كان يحيى بالنسبة لعيسى كالمساعد والمناصر، فقد كان كما وصفه القران (مصدقا بكلمة من الله)، فعيسى عليه السلام هو قائد الدعوة، وهو بالتالي المستهدف أولا والمستهدف أكثر من قبل الظلمة اعداء التوحيد.

ويوم يبعث .. ويوم أبعث

وأما السلام يوم البعث فإن كل شخص سيسأل يوم القيامة: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) وبناء على الجواب تكون السلامة أو عدمها ... إن السؤال الموجه إلى عيسى كبير وخطير (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟؟ .. قال سبحانك ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم) .. لقد انتهت رسالة عيسى بتأليهه وبالتالي كان السؤال خطيرا .. ولم تنته رسالة يحيى إلى نفس النتيجة .. إن كلا الرسولين سيسأل ولكن لأن الخطر الناجم عن إجابة عيسى أعظم، لو كان، وحاشاه، قال غير ما أمره الله به .. ولذلك فالسلام عليه أعظم، وهذا يفسر لماذا احتاج عيسى إلى (السلام) كل السلام .. خلافا ليحيى الذي سيكفيه (سلام) ... لقد عرّف القرآن وفصّل (السلام) على عيسى يوم البعث، كما فصل في نجاته من القتل والصلب، ومن قبل في سلامة مولده .. لما ترتب على قصته من عقيدة فاسدة، في حين اكتفي بالإشارة إلى سلام، دون تفصيل ولا تعريف،على يحيى يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا، إذ لم يترتب على قصته شيء من ذلك.

وقبل الانتقال إلى الفكرة أو المفاجأة التالية، ينبغي الإشارة إلى أنه جرى استعراض عشرات التفاسير وكتب القصص القرآني، لعل أحداً منها قد تنبه إلى فكرة نجاة يحيى عليه السلام من القتل .. وكان الوحيد، فيما نعلم، الذي التفت إلى ذلك هو أستاذنا الدكتور صلاح الخالدي في كتابه (القصص القرآني).

لقد شغلنا أمر يحيى عليه السلام فترة ليست بالقصيرة، وبالذات الآية الختامية (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) .. وكان يخيل إليّ،كما أظنه خيل ويخيل إلى الأكثرين، بأن الخطاب في هذه الآية، موجه إلى زكريا بعد ولادة يحيى .. والأمر على هذا طبيعي، حيث عبر عن الولادة بالفعل الماضي (ولد) لكونها قد حدثت فعلا .. بينما عبر عن الموت بالمضارع (يموت) الدال على المستقبل، تطمينا للوالد على مستقبل ولده، بعد أن أمّنه وسلّمه يوم ولادته، .. إلا أن إمعان النظر في الآيات ينفي هذا الظن، لأن الخطاب الموجه إلى زكريا كان قد انتهى قبل ذلك، وعاد الحديث عن زكريا بصيغة الغائب،ثم حدث التفات من الماضي الغائب إلى خطاب الصبي يحيى، ثم تحولت الآيات إلى الحديث عن يحيى بصيغة الماضي الغائب إلى نهاية القصة .. وكان لا مفر من العودة إلى بداية القصة لحل الإشكال.

بعد فاتحة السورة (كهيعص)،يخاطب الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، (ذكر رحمة ربك عبده زكريا)، .. المخاطب محمد، والغائب الماضي هو زكريا، ويظل الأمرعلى هذه الحال عدة آيات (إذ نادى ربه نداء خفيا،قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا،وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) .. ثم يلتفت السياق إلى زكريا بصيغة الخطاب (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) .. ولا يلبث السياق أن يعود كما بدأ مخبرا عن زكريا بصيغة الغائب الماضي .. دون أن ننسى بأن الخطاب موجه من البداية إلى الرسول محمد عليه السلام .. (قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا، قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا،قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا،فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) .. ثم يلتفت السياق مخاطبا يحيى في نصف آية (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) .. ثم تتحول الآيات إلى الحديث عن يحيى بصيغة الغائب الماضي، ما يعني أن المخاطب لا يزال هو نفسه من أول السورة، أعني محمدا عليه الصلاة والسلام، فتخبره

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير