تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الآيات عن يحيى: (وآتيناه الحكم صبيا، وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا، وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا) .. ثم تختم القصة بالسلام على يحيى يوم ولادته ويوم موته ويوم بعثه حيا .. (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا).

لقد كان من الطبيعي أن يأتي الحديث لمحمد عن ولادة يحيى بالفعل الماضي (ولد)، لأن محمدا قد جاء بعد يحيى عليه السلام بحوالي ستة قرون، وقد كان متوقعا أن يأتي الحديث عن موت يحيى بصيغة الماضي أيضا، أي بالفعل (مات)، ولكن المفاجأة الغريبة أن موت يحيى قد جاء بصيغة المضارع (يموت) .. وإذا أخذنا الأمر على ظاهره، فإنه يعني بأن يحيى سيموت بعد محمد .. وهذا يقتضي: أن تكون ليحيى حياة ممتدة منذ ولادته وحتى يوم موته، أو أن هذه الحياة ستستأنف من جديد قبيل ذلك الموت. ومرة أخرى طفقت أقلب كتب التفسير، فإذا بي أجد أن صاحب التحرير والتنوير، المرحوم العلامة الطاهر بن عاشور، هو الوحيد، بحسب اطلاعي، الذي استوقفه الفعل المضارع (يموت)،حيث يقول بأن الفعل المضارع هنا يفيد استحضار الحالة، ثم يتابع بأنه لم تذكر قصة مقتل يحيى في القرآن إلا إجمالا.

وبالطبع فإن مقتل يحيى لم يذكر في القرآن بتاتا .. لكن الشيخ رحمه الله لم يستطع الانعتاق مما أخذه المفسرون عن أهل الكتاب وتوارثوه كابراً عن كابر .. وإن كان يسجل له تنبهه إلى أن مجيء الفعل المضارع (يموت)، كان على خلاف القانون في الكلام عن الأحداث الماضية .. وليس ذلك بمستغرب على العلامة ابن عاشور، فكل تفسيره يدل على ضلوعه ورسوخ قدمه وعلو كعبه في اللغة العربية وعلومها .. علماً بأنه ليس بحاجة إلى شهادة أمثالي ... ومعنى قول الشيخ بأن الفعل المضارع يفيد استحضار الحالة .. أنه إذا عبر عن الماضي بصيغة المضارع، فإن الغرض هو الإتيان بذلك الماضي وجعله واقعا حيا ومشاهداً عند السامع والقارئ .. وتتمة كلام الشيخ تشير إلى أن الهدف هو إبراز (جريمة القتل) للتشنيع على القتلة .. هذا لو كان وقع القتل .. ، وقد بدا لنا أنه يمكن اعتبار ذلك شاهدا إضافيا على أن يحيى مات ولم يقتل من خلال إحضار مشهد يحيى وهو (يموت)، لدحض ادعاء مقتله، لولا أن أكثر من قرينة دفعتنا إلى ضرورة أخذ الفعل المضارع على ظاهره، وفهمه على أصل وضعه، واعتبار أن هذا الموت سيأتي في المستقبل بالنسبة للمخاطب محمد صلى الله عليه وسلم، وسنرى كيف أن الآيات يصدق بعضها بعضا، ويفسر بعضها بعضا.

أولا: ليس هناك ما يدعونا إلى التأويل .. حيث لا يتعارض هذا الفهم مع أي نص من الكتاب أو السنة، وإن كان يتعارض مع المنقول عن أهل الكتاب، ومع المتوقع بشأن جميع الناس الماضين، باستثناء عيسى عليه السلام،الذي تحدثت السنة النبوية عن نزوله قبيل الساعة .. ولكن من قال إن القرآن رهن بتوقعاتنا وأفكارنا السائدة؟؟ إن العكس هو الصحيح، لأن القرآن لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد .. وهذا يعني أن من الطبيعي أن يفاجئنا هذا الكتاب العظيم بما ليس في الحسبان.

وثانيا: هل نسينا قول الله تعالى (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا)؟ .. ألا يدل الاسم (يحيى) الذي جاء على صيغة الفعل على معنى استمرار الحياة للمسمى، أو تجددها واستئنافها؟ .. أليس الله تعالى هو الذي سمى؟ إن الناس حين يسمون فإنهم يأملون ويرجون أن يتحقق معنى الاسم في المسمى .. وذلك كما قال الشاعر:

سميته يحيى ليحيى فلم يكن لرد قضاء الله فيه سبيل

وإذا كان هذا حال البشر .. وقدرة البشر .. فإن الله تعالى يحكم ولا يأمل، ولا راد لحكمه، وهذا اسم سماه الله وجعل له سلطانا، وليس من الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان .. وذلك ما نلحظه في دلالات أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .. أليس اسم محمد مما بشر به الأنبياء السابقون، من قبل أن يولد ويسميه أهله .. أليس هو المحمود في الأرض والسماء؟ وهل تنبهنا إلى العلاقة بين اسم إسحق وضحك أمه .. وكذلك إلى مجيء يعقوب عقب إسحق أو أنه يعقبه نسل كثير من بني إسرائيل وبالأخص الأنبياء .. (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب)؟ وأخيرا وليس آخرا .. ألم يلفت نظرنا اسم زكريا وكثرة ذكره ودعائه لله .. خاصة في المحراب .. (ذكر رحمة ربك عبده زكريا) .. وهل فاتنا معنى (زكر) في اللغات السامية، وكثير من اللهجات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير