وعند غلاة الأحناف يقول محمد بن موسى الحنفي _ كما نقله الذهبي عنه في الميزان (4/ 53) _
: (لو كان لي أمر لأخذت الجزية من الشافعية!!!)
ج. والحق الوسط: فالواجب هو العمل بالأدلة من الكتاب والسنة، وأن السير وراء الدليل هو الذي ينبغي أن يكون، وهو مذهب كل موفق وبصير، وفي عليتهم الأئمة الأربعة؛ إذ ليس لهم على غير الدليل تعويل، وكلماتهم مشهور منثورة، فيكون الإنسان حنبلياً، لكن متى استبان له الدليل على خلاف المذهب؛ فهذا هو المذهب الحق، لا تغيير الانتساب من مذهب إلى آخر.
الثانية: من ألَّف في هذا الباب اللطيف وحكمه:
1_ محمد بخيت المطيعي رحمه الله: (إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة) في مبحث نفيس ذيَّله بذكر عشرين نفساً.
2_ السيوطي رحمه الله (اختلاف المذهب) ضمَّنه أسباب التحول.
3_ ابن مفلح في (الآداب الشرعية) ضمَّنه أسباب التحول من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
4_ محمد حياة السندي في (تحفة الأنام) وقال فيه: (الانتقال من مذهب إلى مذهب؛ كالانتقال من قول إلى قول)
5_ الشيخ العلامة د. بكر أبو زيد في (التحول المذهبي) ضمن مجموعة (النظائر) وفيه فوائد ومقدمات نفيسه (ومنه أنقل هنا)
الثالثة: طرائف في التَّحوُّل:
1.قال الكتَّاني في (فهرس الفهارس) (1/ 404) في ترجمة احمد بن عبد المنعم الدمنهوري: (وكان يكتب تحت اسمه بعد الشافعي: الحنفي، المالكي، الحنبلي، استجاز بذلك من شيوخه)
2.قال المحبي في (خلاصة الأثر) (1/ 48): (كان إبراهيم بن مسلم بن محمد الشافعي المعروف بالصادي المتوفَّى سنة (1073هـ) يدعو الله أن يرزقه أربعة أولاد؛ ليكون كل واحد منهم على مذهب من المذاهب الأربعة؛ فوُلِد له أربعة، هم:
_ مسلم وكان مالكياً.
_ وعبد الله وكان حنبلياً.
_ وموسى وكان شافعياً.
_ ومحمد وكان حنفياً.
3.ذكر ابن العماد في (شذرات الذهب) (8/ 319) في ترجمة شمس الدين محمد بن محمد العيني، المعروف بابن بلال الحنفي، المتوفَّى سنة 957هـ؛ أنه أوصى أن يغسّله بعد موته: شافعي!
4.قال الحافظ ابن حجر في التهذيب (8/ 127)
(عمران بن حطان السدوسي: صار في آخر أمره أنْ رَأَى رَأْيَ الخوارج، وكان سبب ذلك فيما بلغنا؛ أن ابنة عمِّه رأت رأي الخوارج؛ فتزوجها؛ ليردَّها عن ذلك؛ فصرفته إلى مذهبها) وكان سنياً فصار خارجياً.
5. سيبويه إمام النحو، جاء في (إنباه الرواة) (2/ 71) كان ممن أدركته حرفة الأدب، وأحوجته الحاجة إلى الارتزاق بالتفقه على مذهب أبي حنيفة.
الرابعة: قوله: (كان كرَّاميَّ المذهب، ثم تحول شافعياً)
فهذا غريب فالكرَّامية مذهب عقدي، والشافعي مذهب فقهي؛ فما العلاقة بين ذلك؟
فرجعت للمصادر؛ فوجدت الجميع تتابع على هذه الجملة كما هي؛ فعجبتُ أكثر.
فطالعتُ كتاب الشيخ العلامة بكر أبو زيد في التحول المذهبي (103) فتابعهم أيضاً؛ وعزا للسَّمْعاني؛ فاتَّهمْتُ عقلي ولا بُد.
ثم بَدَا لي أن أنظر في أصل المقولة عند السَّمْعَاني؛ فإذا هي في الأنساب (3/ 385 ط: دار الجنان الأولى 1408 هـ تحقيق عبد الله البارودي): (كان كرَّامي المذهب أولاً، ثم تحوَّل إلى أصحاب الشافعي رحمه الله) هكذا.
فلا أدري أنسخة الشيخ بكر مغايرة لنسختي أم ماذا؟
وبين الجملتين فرق _ فيما يظهر _ وبه زال الإشكال، وعُرِف المراد؛ بأنّه تحول إلى مذهب أصحاب الشافعي على مذهب أهل السنة والجماعة.
_ يقول الإمام أبو العباس بن سُريج الملقب بالشافعي الثاني: وقد كان معاصراً للأشعري: (لا نقول بتأويل المعتزلة، و الأشعرية، والجهمية، والملحدة، والمجسمة، والمشبهة، والكرَّامية، والمكيِّفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل)
_ و قال الإمام أبو الحسن الكرجي من علماء القرن الخامس من الشافعية ما نصه: (لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرءون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت من عِدَّة من المشايخ والأئمة.
¥