تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن بداية التساؤل عن ترتيب القرآن على هذا النحو قد ادخل قضية ترتيب القرآن في دوامة من الآراء والاختلافات لم تخرج منها إلى الآن , بل لقد طغى البحث في تلك الاختلافات على البحث في ترتيب القرآن , بسبب ما حمله التساؤل من توهم البعض أن ترتيب القرآن أو بعضه كان من عمل الصحابة واجتهادهم الشخصي. وقد أدى كل ذلك إلي ابتعاد إجباري وشبه كامل عن البحث في ظاهرة الترتيب القرآني (الترتيل) واستبعاد الترتيب كوجه من وجوه إعجاز القرآن , وسبب ذلك أن القول: أن ترتيب سور القرآن أو بعضها كان من عمل الصحابة واجتهادهم (من عمل البشر) أضفى عليه صفة بشرية , وبالتالي نفى عنه صفة الإعجاز , وحوله في النهاية إلى مسألة خلافية (موضع اختلاف بين العلماء).

وكان من الطبيعي وهذه الحال أن يسود المعنى الآخر للترتيل الذي ذكره القرآن , وهو: تجويد التلاوة طيلة القرون السابقة , رغم إدراك البعض أن الترتيل الذي أشار إليه القرآن في آية سورة الفرقان هو الترتيب , إلا أن أصحاب هذا الرأي لم يتمكنوا من تقديم الأدلة الكافية التي تحسم الموقف لصالحهم.

( ... كان جبريل ينزل بالآيات على الرسول صلى الله عليه وسلم , ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها , ثم يقرؤها النبي على أصحابه , ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معينا لهم السورة التي تكون فيها الآية , وموضع الآية من هذه السورة. وكان يعارض به جبريل كل عام مرة , وعارضه في العام الأخير مرتين .. الزرقاني / مناهل العرفان 1/ 346).

(كانت الآية تنزل لأمر يحدث ,والآية جوابا لمستخبر , ويوقف جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على موضع الآية والسورة , فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي صلى الله عليه وسلم , فمن قدم سورة أو أخرها فقد افسد نظم القرآن .. وقال ابن الحصار: ترتيب السور ووضع الآيات موضعها إنما كان بالوحي .. الإتقان: السيوطي 1/ 136).

نفهم من هذا الكلام: أنه لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولا للصحابة من بعده رضي الله عنهم جميعا أي دور في ترتيب القرآن اللهم تنفيذ التوجيهات التي كان ينقلها جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم , والنبي بدوره ينقلها إلى كتبة الوحي. إلا أن تضارب آراء العلماء وتعدد الاجتهادات والأقوال في الإجابة على التساؤل: " هل تم هذا الترتيب بالوحي أم باجتهاد من الصحابة " أدى إلى دخول مسألة الترتيب في نفق لم تخرج منه حتى الآن , بل تحولت إلى مسألة خلافية , واضطر معها الجميع إلى الابتعاد عن البحث عن الحكمة من ترتيب القرآن على غير ترتيب النزول.

وورث المتاخرون هذه التناقضات وحافظوا عليها , ودافع البعض عنها , وفي النهاية: وجد البعض أن حل هذه المعضلة يكمن في التضحية بترتيب القرآن واعتباره مسالة ثانوية لا أهمية لها , فالقرآن هو القرآن سواء أكان ترتيبه كذا أو كذا وسواء أكان عدد آياته كذا أو كذا .. ومن الواضح أن مثل هذا الكلام ليس اكثر من هروب من مواجهة المشكلة , فالفرق كبير جدا بين أن يكون ترتيب القرآن من عند الله أو أن يكون باجتهاد من الصحابة؟؟؟

ومن الطبيعي وهذه النهاية أن يستبعد ترتيب القرآن من دائرة الاهتمام , وأن تختفي الإجابة على التساؤل عن الحكمة من ترتيب القرآن على غير ترتيب النزول قرونا طويلة ..

النهاية: إن التوجيهات التي كان ينقلها جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم , والتي كان النبي ينقلها إلى كتبة الوحي , تحولت إلى مجرد رواية يتناقلها الدارسون يمرون عليها دون أن يتساءلوا ما الهدف من تلك التوجيهات؟ هل يمكن أن تكون بلا هدف ولا قصد؟ وإذا كانت كذلك افتراضا فما ضرورتها إذن؟

إن الهدف من تلك التوجيهات بكل بساطة: الانتهاء بترتيب سور القرآن وآياته إلى الحال الذي هو عليه الآن , وهو ترتيب قدره الله سبحانه وتعالى ليكون معجزة القرآن الموجهة إلى جميع الناس في الزمن الملائم , الزمن الذي يستطيعون فيه فهم أسرار هذا الترتيب ودلالاته , هذا الزمن هو زماننا هذا. أما لغة هذه المعجزة فهي الأرقام لغة هذا العصر , اللغة المشتركة بين أمم الأرض كلها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير