3. تأويل القرآن لإسقاط التكاليف الشرعية ومن ذلك قوله تعالى:" وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى" (سورة النجم: 42) " أن الرجل إذا عرف ربه، فقد انتهى للمطلوب، ورفعت عنه الأغلال والقيود (الخطيب، 1984م:390) هذه هي حقيقة النصيرية وتأويلاتها وصدق فيهم الإمام ابن تيمية عندما قال:" هؤلاء القوم المسمون النصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى بل أكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد r أعظم من ضرر والكفار المحاربين" (ابن تيمية، 1398هـ:35/ 149).
المطلب الخامس: الخوارج
أولاً: التسمية والنشأة:
يرجع سبب تسميتهم بالخوارج لخروجهم على الإمام على t بعد قبوله التحكيم، حيث انتهى بهم الأمر إلى الخروج من معسكرة وقد قبل الخوارج هذه التسمية، ولكن فسروا الخروج بأنه خروج من بيوتهم جهاداً في سبيل الله وفقاً لقوله تعالى} ... وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ ... {(النساء:100) وقد أطلق عليهم عدة أسماء منها الحرورية لنزولهم بحر وراء في أول أمرهم، والمارقة؛ لأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والمحكمة لإنكارهم الحكمين، وقولهم لا حكم إلا لله.
أما نشأتهم فارتبطت بالإحداث التي قامت بين على بن أبي طالب t ومعاوية بن أبي سفيان t وقبول على t التحكيم ورفض الخوارج الذين كانوا في صف على t للتحكيم ثم إعلانهم الخروج على علي t ومحاربته (الأشعري، 1969م:206 - 207 – البغدادي، 72 - الشهرستاني، 1982:1/ 91).
ثانياً: من تأويلاتهم:
اعتمد الخوارج التأويل ليدافعوا عن أفكارهم ومعتقداتهم حالهم كحال من سبقهم من الفرق ومن ذلك:
تأويلهم لقوله تعالى} ... إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه ... ِ {(الأنعام:57) وكان قصدهم تخطئة الإمام على t وتكفيره لقبوله التحكيم والتحلل من الالتزام بإمرة معينة، ولذلك قالوا بأنه يجب على الإمام على t أن يستمر في القتال حتى يظهر حكم الله. (البغدادي، 78 - 79 - جلي، 1988: 40 - 41). وقد رد عليهم الإمام على t وعلى شعارهم لا حكم إلا لله بقوله: كلمة حق أريد بها باطل" (مسلم، 2/ 749: رقم 1066).
استدلوا بالآيات ليؤيدوا ما ذهبوا إليه من تكفير مرتكب الكبيرة والمعاصي دون النظر إلى عمل الرسول r وسنته التي تبين القرآن وتفسره من ذلك:
قوله تعالى: …} وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {(سورة آل عمران:97) قالوا:" إن الله وصف تارك الحج بالكفر وترك الحج ذنب، فإذا كل مرتكب للذنب كافر" (أبو زهرة، 66 - جلى، 51:1988).
قوله تعالى:} يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ {(سورة آل عمران:106) قالوا: والفاسق لا يجوز أن يكون ممن ابيضت وجوههم فوجب أن يكون ممن اسودت وجوههم ووجب أن يسمى كافراً (أبو زهرة، 66 - جلى، 1988م:51).
أطلق الخوارج أحكام الكفر دون أن ينظروا إلى الكفر الأصغر والكفر الأكبر المخرج من الملة بل اعتبروا الكل كفراً مخرج من ملة الإسلام وهذا مخالف لآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي r .
وهذا دفع فرقة الأزارقة من الخوارج إلى تكفير الإمام على t ، وتأويل الآيات لتتفق مع أهوائهم ومبادئهم حيث قالوا إن الله أنزل في شأنه:} وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ {(سورة البقرة:204) كما صوبوا ابن ملجم قاتل الإمام على t وقالوا إن الله أنزل في شأنه:} وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ {(البقرة:207) (الشهرستاني، 1982م: 1/ 96).
¥