إن قول الأزارقة ليشير بوضوح إلى التأويلات الفاسدة للقرآن الكريم، وافترائهم الواضح على علي t ، فإن زعمهم أن الآية نزلت في على t فهذا محض افتراء وجهل واضح بالقرآن ونزوله؛ لأن هذه الآية نزلت في الأخنس بن شريق الذي أظهر الإسلام وأبطن خلاف ذلك، وعن ابن عباس t أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم. (الشوكاني، 1/ 207).
وأما الآية الثانية فنزلت في صهيب الرومي t وذلك عندما أسلم وأراد منعه الناس أن يهاجر بماله فأعطاهم ماله فأنزل الله فيه هذه الآية. (الشوكاني، 1/ 207).
المطلب السادس: المعتزلة
أولاً: التسمية والنشأة:
سمى المعتزلة بهذا الاسم لأن واصل بن عطاء اعتزل مجلس أستاذه الحسن البصري، حيث كان الناس مختلفين حول مرتكب الكبيرة ففرقة تكفره وأخرى ترجئه لاعتقادهم أنه لا يضر مع الإيمان ذنب وأما علماء السلف فيثبتون له الإيمان ولا يخرجونه من الإسلام ويقولون هو فاسق بكبيرته، ولكن خرج واصل عن اعتقاد أهل السنة والجماعة وزعم أن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر بل في منزلة بين المنزلتين، فلما سمع الأمام الحسن البصري من واصل بدعته طرده من مجلسة فأعتزل عند سارية المسجد فقال الناس اعتزل قول الأمة، وقال الحسن البصري اعتزلنا واصل فسموا معتزلة.
وقد نشأت المعتزلة في البصرة في حدود المئة الأولى للهجرة في العصر الأموي، وشغلت الفكر الإسلامي في العصر العباسي زمناً طويلاً، وقد اختلف العلماء في بداية ظهورها فالبعض يرى أن بدايتها كانت في قوم من أصحاب على t اعتزلوا السياسة، ولكن الصحيح أنها بدأت فكرة الاعتزال بسبب الحكم على مرتكب الكبيرة. (البغدادي، 117 - 118 - الشهرستاني، 1982م:1/ 42 - أبو زهرة، 124).
ثانياً: من تأويلاتهم:
لقد تأثر المعتزلة بالفلسفة اليوناينة كثيرا مما حدا بهم إلى الاعتماد على العقل وتقديمه على الشرع في الاستدلال لإثبات العقائد، لثقتهم الكبيرة بالعقل، فإذا عرضت عليهم مسألة عرضوها على العقل فإن قبلها أخذوا بها وإن رفضها ردوها، وإن الدارس لكتب المعتزلة لا يكاد يفرق بينها وبين كتب الفلسفة، حيث يقرأ صفحات عديدة دون أن يعثر على آية قرآنية أو حديث نبوي شريف إلا قليلاً، وهذا القليل ليس للاستدلال الحق، وإنما لتأويل المعنى، ليوافق ما ذهبوا إليه من آراء أو الدفاع عنها.
إن اسم المعتزلة اسم ذم إلا أن المعتزلة عندما رأوا ولع الناس بتسميتهم به أخذوا يدللون على أنه اسم مدح بمعنى الاعتزال عن الشرور والمحدثات والفتن والمبتدعين لقوله تعالى:} ... وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً {(سورة المزمل:10). (عواجي، 1997م:2/ 1022).
قولهم بالوجوب على الله تعالى أي يجب على الله تعالى أن ينفذ وعده مستدلين على باطلهم هذا بقوله تعالى:} وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {(سورة النساء: 100) يقول الزمخشري:" (فقد وقع أجره على الله) فقد وجب ثوابه عليه ... والمعنى فقد علم الله كيف يثيبه وذلك واجب عليه" (الزمخشري، 1/ 277).
وهذا ناتج عن قولهم يجب على الله فعل الأصلح، ومعلوم أن هذا القول باطل لأنه لا يوجب على الله أحد، بل رحمته ومغفرته هي المقدمة وهذا يؤكده قول عائشة t أن رسول الله r قال:" سددوا وقاربوا وابشروا، فإنه لا يدخل أحداً الجنة عمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال:" ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة" (مسلم، 4/ 2170 - رقم 2816).
أنكر المعتزلة خلق الله تعالى لأفعال العباد بل العباد يخلقوا أفعالهم مستدلين على ذلك بقوله تعالى:} ... وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {(البقرة:205). يقول القاضي عبد الجبار:" أفعال العباد غير مخلوقة فيهم، وأنهم هم المحدثون لها" (عبد الجبار، 1988م:323) ويرجع السبب بالقول:" إن في أفعال العباد ما هو ظلم وجور، فلو كان الله تعالى خالقاً لها لوجب أن يكون ظالماً جائراً" (عبد الجبار، 1988م:325).
¥