وأريد أن أقول: إن العلم ليس حكرًا على قوم دون قوم، وإن كان أصحاب التخصص هم أهل الشأن الذين يُرجع إليهم، غير أن من المسائل ما يكون مشتركًا بين علوم عدة، فلا ينحصر بحثها في علم دون علم، وهذا لا يخفى على علمكم، حفظكم الله.
والذي أودُّ أن أشير إليه أن تدخُّل قوم ما في علم ليس من تخصصهم ينقسم إلى أقسام عدَّة، منها:
أولاً: أن يتكلم جاهل بالعلم في علم من العلوم، وكأنه شيخ الإسلام، ومفتي الأنام. وهذا الصنف مرفوض متروك، ويلحقه من الذم ما لا يخفى.
ثانيًا: أن يكون له بصر بالعلم الشرعي، ويكون ممن تخصص في علم من العلوم، وتراه يتنقل في الدخول في مسائل بعض العلوم الأخرى، وهذا يأتي منه من العجب بقد نقصه في ذلك العلم الذي لا يتقن أصوله ومسائله، وهذا مما ابتلينا به، وهو مما يلحق بعض المسائل العلمية التي انتقدها الشيخ السالم الجكني في هذا الملتقى.
وأنا معه في هذا، فكم نسمع من طلاب علم لا يُعرف لهم بروز في علوم القرآن بعامة، وتراهم يشروحون كتابًا في علوم القرآن أو في أصول التفسير، أو يفسرون القرآن، ويأتي منهم من الخلل ما لا يخفى على البصير بذلك العلم، وإن جهِل خلله العامة والمعجبون به.
ثالثًا: أن يتكلم في مسألة ما جمع من طلاب العلم، وإن لم تكن في تخصصهم مباشرة، إلا أنها من المسائل التي يمكن إدراكها والخوض فيها، ولا شك أن بعض من مسائل العلوم تدخل في هذا القسم، ولا يصلح أن يقال فيها: لا شأن لغير المتخصص بمزاولتها، ولو أعملنا هذه القاعدة لجاء من ينكر علينا في هذا الملتقى في مسائل متفرعة من علوم أخرى، وقد تكلم فيها كثيرون.
وأرى أن مثل هذه المسائل يجب أن تُدرك، وأن لا تأخذنا الحمية للتخصص بإغلاق البحث فيها على الآخرين، وإلا لقال أصحاب العقيدة: ما شأنكم في المتلقى تتحدثون عن مسائل العقيدة، ولقال أهل الفقه مثل ذلك، وهلم جرَّا.
وأرى أن نفرق بين مسائل التخصص الدقيقة التي لا يفهمها، ولا يتقنها إلا أهل التخصص، وبين المسائل الأخرى التي يمكن أن يشترك فيها آخرون من التخصصات الأخرى.
ولو سقت لك من أمثلة ما أفتى فيه بعض طلبة العلم ممن لا دراية له بعلوم القرآن الدقيقة لما سئل في مسألة متعلقة بالرسم؛ لعجبت منه أشد العجب، والعجب منه أنه في مثل هذه الدقائق التي هي من خصوصيات أصحاب التخصص لم يتورع، ويقول: (لا أدري)، بل أجاب بجواب ليس هو المراد بسوال السائل، وأوقعه هذا في الخطأ والخلط.
أسأل الله أن يجنبنا الخطأ والزلل، وأن يلهمنا الصواب، وأن يرزقنا سلامة الجنان، وعفَّة اللسان، وحسن البيان.
ـ[يزيد العمار]ــــــــ[05 Jul 2009, 08:02 م]ـ
كلام بصير ,,,
بارك الله فيكم د. مساعد
وجزاكم الله خيرا جميعا.
ـ[عبد الحكيم عبد الرازق]ــــــــ[07 Jul 2009, 07:28 ص]ـ
وأرى أن نفرق بين مسائل التخصص الدقيقة التي لا يفهمها، ولا يتقنها إلا أهل التخصص، وبين المسائل الأخرى التي يمكن أن يشترك فيها آخرون من التخصصات الأخرى.
أسأل الله أن يجنبنا الخطأ والزلل، وأن يلهمنا الصواب، وأن يرزقنا سلامة الجنان، وعفَّة اللسان، وحسن البيان.
السلام عليكم
أجدتم وأفدتم شيخنا الفاضل الكريم.
لكن ألا تري معي سيدي الفاضل أن هناك نقطة سيصلون إليها لا بد فيها من حسم، أي حكم فيصل من أهل الاختصاص.أيّا كانت ألمسألة أو الاختصاص.
فعلي من نعول في هذه النقطة بصرف النظر عن هذه المسألة بعينها؟
أسأل الله أن يجنبنا الخطأ والزلل، وأن يلهمنا الصواب، وأن يرزقنا سلامة الجنان، وعفَّة اللسان، وحسن البيان.
اللهم آمين
والسلام عليكم
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[07 Jul 2009, 03:34 م]ـ
لا خلاف في أن المعول عليه هم أهل الاختصاص، إذا كان المسألة صرفة في علم ما.
لكن إذا كانت المسألة مشتركة، فسيدخلها التنازع، ولا يمكن أن يقال إن أهل الاختصاص هم هؤلاء دون أولئك.
ـ[أبو هاني]ــــــــ[07 Jul 2009, 04:46 م]ـ
لكن أمر الكتابة ـ في المصحف وخارجه ـ أمر لغوي صِرف؛ وكتابة المصحف كانت تتبع العُرف اللغوي؛ فقد أُثِر عن عثمان أنه أشار عند الاختلاف باتباع نطق خاص بهذيل ـ لستُ متثبتا ـ عند الاختلاف في رسم التابوت أو التابوة، ثم أخذت كتابة المصحف تستكمل ما يلزمها مما يبتكره اللغويون: أبو الأسود، ونصر ويحيى، ثم الخليل حتى فشا ذلك فسأل بعضهم مالكا في جوازه في المصحف وخارجه، وكان التمسك بالكتابة الأولى من هاهنا فقط، فقد جرى نسخ المصاحف وكتابة الخطاطين المجوّدين على ما جدّ من صور الكتابة وما تحرَّج أحد من ذلك
ـ[عبد الحكيم عبد الرازق]ــــــــ[08 Jul 2009, 05:49 ص]ـ
لا خلاف في أن المعول عليه هم أهل الاختصاص، إذا كان المسألة صرفة في علم ما.
لكن إذا كانت المسألة مشتركة، فسيدخلها التنازع، ولا يمكن أن يقال إن أهل الاختصاص هم هؤلاء دون أولئك.
السلام عليكم
نعم يعول علي أهل الاختصاص إذا كان المسألة صرفة في علم ما.
أما الشق الثاني (اشتراك المسألة)
ما الضابط في تحديد اشتراك الآخرين في المسألة، من عدمه؟
أضرب لكم مثالين:
"البسملة والتكبير " اختلف القراء والمحدثون والفقهاء في هذه المسألة.
فالقراء اختلفوا من حيث اختلاف القراء
والمحدثون اختلفوا من حيث اختلاف الأحاديث الواردة في المسألتين
والفقهاء اختلفوا بحسب ما استنبطوه من الأحاديث، وبما ثبت لديهم من خلاف القراء أو المحدثين.
ثم أحال الإمام مالك القضية علي القراء في البسملة. والشافعي بما وجده من قراء مكة في التكبير.
ألا يمكن أن نقول إن ثمة اشتراك بينهما كل بحسبه ثم أحالوا الأمر لمن له أحقية القول فيه؟
المسألة قد تكون تفرعت ولكنها ستصب في نهايته لمسألتنا إن شاء الله.
أما تميز النص القرآني عن غيره ستكون في مداخلة أخري إن أذن الله وقدر.
ومعذرة للإطالة.
والسلام عليكم
¥