ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Aug 2009, 04:25 م]ـ
علامات الترقيم التي تستعمل في إعانة القارئ على فهم الكتابة مأخوذة من حيث فكرتها وأصلها من علامات ضبط المصحف، ولعلكم تراجعون ما كتبه أحمد زكي باشا في كتابه (علامات الترقيم) وما كتبه غيره في ذلك وهو كثير.
ونقاش المسألة - كما فهمتُ من كلام الدكتور يوسف القرضاوي - ليس في كتابة المصحف كاملاً، وإنما في الاستشهاد بالآيات القرآنية وما يشبهه من مقامات تعليمية.
وعلامات الترقيم مرتبطة بالمعاني أكثر من علامات الوقف والابتداء الموجودة حالياً فيما يظهر لي، وذلك أن علامات الوقف والابتداء الموجودة في المصحف لا تكاد تلزم القارئ بفهم واحد في كثير من مواضعها، وإنما يبقى المجالُ - مع وجود علامات الوقف -مفتوحاً لكل المعاني التي تحتملها الآية، ويفسرها بها المفسرون.
أما علامات الترقيم فهي أكثر تحديداً للمعاني المقصودة من الكلام، فعلامة التعجب (!) لها دلالتها، وعلامة الاستفهام (؟) كذلك، وعلامة القول (:)
فمثلاً قوله تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53))
لو استعملنا علامات الترقيم لكانت هكذا برأيي:
(كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ؟! بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)
فقد دلت علامة الاستفهام وعلامة التعجب معاً على الاستفهام الاستنكاري في الآية.
ولا شك أن إيصال هذا المعنى للقارئ مفيد له في فهمه للآية.
وقد نتفق في أكثر مواضع علامات الترقيم كعلامات الاستفهام ومقول القول والتعجب ونحوها، ولكن سيكون هناك خلاف في مواضع يصعب رفعها.
والذي يبدو لي أن الأمر في هذه المسألة ليس بتلك الخطورة التي يشير إليها الزملاء الشيخ عبدالحكيم والدكتور السالم الجكني، وإنما لو دُرِسَ الموضوعُ من كافة أبعاده وترجح جانب القبول أو المنع أن يكون مبنياً على أدلة مقنعة.
وأما التخوفات التي ذكروها فليست كافيةً للقول بالمنع، حيث لم تكن مانعةً لوجود النقط وعلامات الضبط وغيرها مما أصبح اليوم محلَّ قَبول من الجميع، مع أنها عورضت في بداية أمرها كذلك.
ولا أحب لإخواني الفضلاء الذي يدافعون عن علم القراءات السخرية من زملاءهم الذين لا يقلون عنهم تخصصاً ومعرفة بما يدور الكلام حوله، فعندما نتحدث عن تحزيب القرآن أو إضافة بعض الأفكار حوله، أو نتحدث هنا عن علامات الترقيم ومشروعية استعمالها في كتابة القرآن الكريم فنحن نتحدث عن تخصصٍ قريب، وارتباط الموضوع هنا بالتفسير أشد من ارتباطه بطريقة أداء القرآن وما فيها من خلاف، إلا إذا كان هناك أسرار دقيقة لم تبلغنا بعدُ فليتنا نتعلمها منكم على صفحات الملتقى فغايتنا علمية بحتة. وأما رفع هذه العصا في وجه كل من يخالف في كل مسألة فليست من أساليب البحث والمناظرة المقبولة عند طالب العلم المتجرد.
ومسألة أخرى أحب أن أنبه لها، وهي أن الله سبحانه وتعالى قد تولى حفظ كتابه، وليس بالضرورة أن يكون حفظه سبحانه لكتابه بالمانعين من كُلِّ إضافةٍ بحجة الدفاع والتصدي والمنافحة عن كتاب الله، وأمثال هذه العبارات التي تُوحي بأنَّ المخالفَ مُحرِّفٌ لكتاب الله، عدوٌّ لهُ، جاهل به، وإِنَّما قد يكون حفظهُ بالأفكار العلميَّةِ القيمة التي تُعين على حفظ القرآن بطريقةٍ أو بأُخرى من الطرقِ المشروعةِ التي تثبت الدراسة المتأنيَّةُ جدواها وفائدتَها، والتي لا يزال أهل العلم يذكرون ويقترحون الكثير منها قديماً وحديثاً.
وأرجو من زملائي الفضلاء الذين ينتسبون لعلم القراءات أن يترفقوا بإخوانهم ومحاوريهم والسائلين الذين يرغبون في الاستفادة من علمهم، فإنَّ في عباراتهم من القسوةِ والغلظةِ ما ليس في عبارات غيرهم، وأخشى أن يصبحَ هذا شِعاراً لهم، وهم أَولى الناسِ بالرِّفق واللين وحُسنِ التعليم، والأخذ بيد المخالفين للحق، دون التهجم على نيته، وتعييرهِ بالجهل بعلم القراءات، وأَنَّهُ دخيلٌ عليه ونحو هذه العبارات المنفرَّةِ للمُقبلِ، والمهيجة للمعرض.
¥