? ما أورده الزركشي في البرهان عن ابن مهران المقرئ قال: بعث الحجاج بن يوسف إلى قراء البصرة فجمعهم واختار منهم الحسن البصري وأبا العالية ونصر بن عاصم وعاصماً الجحدري ومالك بن دينار رحمة الله عليهم، وقال: عدّوا حروف القران، فبقوا أربعة أشهر يعدّون بالشعير فأجمعوا على أن كلماته سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة و أجمعوا على أن عدد حروفه ثلاثمائة ألف وثلاثة وعشرون ألفاً وخمسة عشر حرفاً.
وقال غيره: أجمعوا على أن عدد آيات القران ستة آلاف آية ثم اختلفوا فيما زاد ذلك على أقوال.
?وأورد السخاوي عن راشد الحماني قال: جمع الحجاج بن يوسف الحفاظ والقراء وكنت فيهم فقال: أخبروني عن القران كله كم هو من حرف؟ فجعلنا نحسب حتى أجمعوا أن القرآن كله ثلاثمائة ألف حرف وأربعون ألف حرف وسبعمائة حرف ونيف وأربعون حرفاً ... الخ.
قال ابن تيمية رحمه الله: (فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ أَوَّلَ مَا جُزِّئَ الْقُرْآنُ بِالْحُرُوفِ تَجْزِئَةُ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّينَ. هَذِهِ الَّتِي تَكُونُ رُءُوسُ الْأَجْزَاءِ وَالْأَحْزَابِ فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ وَأَثْنَاءِ الْقِصَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ وَمَا بَعْدَهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ أَمَرَ بِذَلِكَ. وَمِنْ الْعِرَاقِ فَشَا ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ).
أما عن سبب هذه التجزئة: فهو التيسير على القارئ والحافظ، وتخصيص كل يوم بنصيب لايزيد ولا ينقص.
وقد كان الحجاج متشدداً فلم يجاوزه في تيسيره إلى غير سبعة أيام، لكن من جاؤوا بعد الحجاج لم يكونوا على تشدده فأرخوا شيئاً في التيسير وزادوها إلى عشرة، ولم يقف التيسير عند هذا الحد؛ بل نرى الميسرين أرخوا للقارئين إلى أن بلغوا بهم الثلاثين، فإذا القرآن يجزأ إلى ثلاثين جزءاً.
أما تجزئة القرآن إلى ثلاثين جزءاً - وهي التجزئة التي عليها مصاحفنا اليوم- فيبدو أنها منسوبةً إلى أبي بكر بن عياش المتوفى سنة 193هـ، فبهذا يشعرنا أسلوب ابن النديم في كتابه الفهرست.
وبعد هذه التجزئة تعارف الناس على أن المراد بالجزء من القرآن هو: جزء واحد من الثلاثين جزءاً التي قسّموا المصاحف إليها.
آثار التجزئة بالحروف:
يظهر أن ختم القرآن تلاوةً في شهر كان هو المقصد الأساس في هذه التقسيمات؛ لأن التقسيم بثلاثين جزء هو الغالب، ثم قسموه إلى أقل من ذلك إما تسهيلاً على الحفّاظ، أو ليوافق الختم في رمضان ليلة سبع وعشرين وذلك عند من جزّأ إلى سبع وعشرين جزء.
غير أن أكثر العلماء والقرّاء يذهبون إلى تفضيل التحزيب بالسور على التحزيب بالحروف، وعلى رأس هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقالوا أن التحزيب – والتسبيع بالأخص – بالسور أولى للوجوه التالية:
1.أن التحزيبات المحدثة بالحروف أو بالآيات لم يراع فيها الوقف والابتداء؛ فكثيراً ما تتضمن الوقوف على كلام متصل بما بعده ويكون الابتداء بما له ارتباط وثيق بما قبله، وذلك كالابتداء بقوله تعالى " والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم " مع اتصالها الشديد بما قبلها.
2.أن عادة النبي عليه الصلاة والسلام وعادة أصحابه الغالبة القراءة في الصلاة بسورة تامة كـ (ق) و (السجدة) وغيرها، وكانوا حريصين على عدم تجزئة السورة الواحدة حتى في الصلاة.
3.أن التجزئة الحادثة إنما ظهرت طلباً للمساواة التامة بين الأجزاء ولا سبيل إلى ذلك؛ لأن الحروف في النطق تخالف الخط في الزيادة والنقصان .. فكما أن التحزيب بالسور تقريبي في المماثلة بين الأحزاب فكذلك هو في التحزيب بالحروف.
4.إذا كان كل من تحزيب السور وتحزيب الحروف تقريبي في المساواة بين الأحزاب إذن فتحزيب السور أولى للمصالح المترتبة عليه: من مراعاة لتمام المعنى في الوقف والابتداء، و اتباع لهدي السلف الصالح، كما أن فيه زوالاً للمفاسد الحاصلة بالتحزيب بالحروف من الإحداث في المصاحف، وغير ذلك.
¥