"وقال محمد بن إسحاق: أخبرني أبي نه لما صلى بالناس بالمدينة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: فأتاني الأعشى أبو بكر ابن أخت مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ فقال: إن أبا عبد الله يقرأ عليك السلام ورحمة الله، ويقول لك: من خفته على خلاف أهل المدينة، فإنك ممن لم أخف، وقد كان منك شيء، قلت: وما هو؟ قال: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. قال: فأبلغه عني السلام كما أبلغتني، وقل له: اني كثيرا ما سمعتك تقول: "لا تأخذوا عن أهل العراق، فاني لم أدرك أحدا من أصحابنا يأخذ عنهم، وانما جئت في تركها عن حميد الطويل، فإن أحببت أخذنا عن أهل العراق أخذنا هذا وغيره من قولهم، وإلا تركنا حميدا مع غيره، فلم يكن علي به حجة، وقد سمعتك كثيرا ما تقول: خذوا كل علم عن أهله، وعلم القرآن بالمدينة عن نافع، فسألته عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، فأقرأني بها، وقال: أشهد أنها من السبع المثاني، وأن الله عز وجل أنزلها".
"وحدثني عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر أنه كان يبتدئ بها ويفتتح كل سورة"، وحدثني ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال: مضت السنة بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم".
هكذا قرع المسيبي الحجة بالحجة، واستند إلى مذهب نافع في القضية وروايته، وناقش مالك بن أنس منهجيا في نهيه عن الأخذ عن هل العراق، ثم هو في النهاية يستند في المسألة على رواية حميد عن أنس فيها. مع أن مذهب المسيبي في الجهر بالبسملة هو الثابت عن نافع من روايته وقراءته، ولذلك لم يرجع المسيبي إلى ما دعاه إليه مالك، لفوة مستنده في ذلك ولمكانة نافع في نفسه باعتبار هذه المسألة من العلم الذي يسأل عنه أهله، وكأنه يريد إلزام مالك بلازم قوله: " خذوا كل علم عن أهله"، لأن أهلية نافع لهذا العلم بين أهل المدينة أمر مسلم لا ينازع فيه مالك ولا غيره. ولاسيما مع اعتبار مشيخته له وتقديره له بشهادته ـ الآنفة الذكرـ أن قراءته سنة".اهـ
وقال في موضع آخر من نفس الكتاب ج: 1 ص: 161:
"ومن أمثلة التلاحم بين القراءة والمذهب الفقهي في وعي القراء ما نجده عند بعض الأئمة من احتياط في تقرير مذهب نافع في البسملة في فاتحة الكتاب، وفي الفصل بين السور من بعض الروايات عنه، وهو أمر تتحكم فيه الرواية ولا مجال فيه للاجتهاد الشخصي، فحافظوا على ذلك في الأداء، ونبهوا على أن ذلك لا يشمل حال الصلاة المفروضة، لأن مذهب أهل المدينة ترك التسمية فيها، فقرر أبو عمرو في "الأرجوزة المنبهة" مذهب القراء في ذلك بإثبات البسملة، ثم قال محتاطا للحكم الفقهي موافقة لمذهب مالك:
أقول في الأداء أو في العرضِ ولا أقول في صلاة الفرضِ
ويقول أبو الحسن الحصري في قصيدته في قراءة نافع:
وإن كنتَ في غير الفريضة قارئاً فبسمل لقالون لدى السور الزهر
ومعلوم أن كلا منهما إنما أراد المحافظة على الانسجام المألوف بين القراءة والمذهب، حتى لا يكون إطلاق الحكم الأدائي سبيلا إلى المس بحرمة المذهب الفقهي أو العكس، مما يدل على مدى حرص القراء المغاربة على استمرار التجاوب بين القراءة والمذهب المدنيين، انبثاقا من العلاقة الوثقى التي ربطت في الأذهان بين هذه وذاك، مما كان له أثره العميق في التمكين لهما معا دفعة واحدة، فنالت قراءة نافع رضا الفقهاء والعامة"اهـ.
ولعل المشايخ يزيدون المسألة مناقشة وتوضيحا.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[26 Oct 2009, 08:56 م]ـ
- بارك الله فيك أخي العليمي.
- ما ذكره الأخ محمد الأمين يصحح ما ذكره الأخ حسن عبد الجليل، من حيث ان المسألة متعلقة بعد الآي لا بالقراءة، فوجوب البسملة عند ابتداء القراءة لا يتعلق بمن عدها آية ومن لم يعدها، وهو ما أكده الأخ ايت عمران.
- أعتقد أن أحسن ما يحل إشكال كون البسملة من الفاتحة أو لا؟ وما هو الحكم الفقهي المترتب عليه؟ =هو النظر إلى القراءة، وهو ما ساقه الأخ أبو إسحاق في هذا النقل:
قال العلامة الأصولي سيدي عبد الله الشنقيطي- عند شرح هذا البيت:
وبعضهم إلى القراءة نظر ... وذاك للوفاق رأي معتبر
يعني أنَّ الحافظ ابن حجر قال: ينظر إلى القراءات، وذلك أي النظر إلى القراءات رأي معتبر لما فيه من التوفيق بين كلام الأئمة، فلا خلاف حينئذٍ.
¥