تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على خِلَاف ?لوجه ?لْأظهر ?لْأشهر على ما بَيَّنَّاه من قبل، إذا كان لِإنزاله على خلَاف ذلك في ?للغة تَوَجُّهًا صحيحًا. وإذا كان كذلك، بطل ما سألوا عنه وطالبوا به.» [23].

وهكذا يتبين أن ?لْإمام ?لباقلَاني يذهب إلى أن رسم ?لمصحف ?لعثماني تجوز مخالفته إلى ?لرسم ?لهجائي ما لم يتعارض ?لْأمر مع قراءة ثابتة عن سلف ?لْأمة. ومن هنا يَثْبُتُ أن ?لرسم في ?لمصحف ?صطلَاحي، في حين أن ?لقراءة و?لْأداء توقيفٌ يُؤخَذُ فيهما بالسماع عن ?لسلف. وبالتالي فإن رَسْمَ ?لمصحف يجوز تغييره وَفْقَ ما تقتضيه ?لكتابة ومن دون تجاوز ضوابط ?لقراآت ?لمتواترة [24].

وعلى ضوء كل ما سبق، يُمكننا أن نفهم ما يُورِدُه أبو عمرو ?لداني (444هـ) في "?لمقنع" من أن ?لْإمام مالكـ -رحمه ?لله- سُئِلَ: "هل يُكتَب ?لمصحف على ما أحدثه ?لناس من ?لهجاء؟ فقال: لَا، إلَّا على ?لكِتْبة ?لْأُولى" (أو، كما في رواية أشهب، "فقال: لَا أرى ذلك، ولكن يُكتَب على ?لكِتْبة ?لْأولى."). قال أبو عمرو ?لداني: "ولَا مُخالف له في ذلك من علماء ?لْأمة". فأنت ترى أن ?لْإمام مالكـ -رحمه ?لله- ذهب إلى أن ?لمصحف يجب أن يُكتَب فقط على هيئة ?لرسم ?لعثماني. وهذا رأيه و?ختياره ?لخاص به. أما قول ?لداني بأنه لَا أحد من ?لعلماء خالف رأي مالكـ، فغير صحيح؛ لِأنه يتجاوز دلَالة موقف عبد ?لله بن مسعود في معارضته للمصحف ?لعثماني، كما يُغفل موقف ?لْإمام ?لباقلَاني. وعليه، لَا يصح ?لحديث عن وجود "إجماع" حول "?لرسم ?لعثماني"، كما لَا يمكن إغفال رأي ?للذين قالوا بأن هذا ?لرسم ليس سوى "?تفاق" أو "?صطلَاح" بين كَتَبة ?لمصحف-?لْإمام في خلَافة عثمان بن عفان، رضي ?للَّاه عنه.

ولعل عبد ?لرحمان ?بن خلدون (1332 - 1406م) كان أكثر من أجاد في تعليل حقيقة "?لرسم ?لعثماني" للقرآن ?لكريم، إذ أنه يقول -على أساس أن ?لخط و?لكتابة في عِداد ?لصنائع ?لْإنسانية ?للتي ترتبط بمدى ?زدهار ?لعمران ?لبشري- «وكان ?لخط ?لعربي لِأوَّل ?لْإسلَام غيرَ بالغٍ إلى ?لغاية من ?لْإحكام و?لْإتقان و?لْإجادة، ولَا إلى ?لتوسط، لِمَكانِ ?لعرب من ?لبداوة و?لتوحش وبُعْدِهم عن ?لصنائع. و?نْظُر ما وقع لِأجل ذلك في رسم ?لمصحف، حيث كتبه ?لصحابةُ بخطوطهم -وكانت غيرَ مُستحكِمَةٍ في ?لْإجادة-، فخالفَ ?لكثيرُ من رسومهم ما ?قتضته أقيسةُ رسوم صناعة ?لخط عند أهلها. ثم ?قتفى ?لتابعون من ?لسلف رسمَهم فيها تَبَرُّكًا بما رسمه أصحاب رسول ?لله صلى ?لله عليه وسلم وخيرُ ?لخلق من بعده ?لمُتَلَقُّون لوحيه من كتاب ?لله وكلامه، كما يُقْتَفى لهذا ?لعهد خَطُّ وَلِيٍّ أو عالمٍ تَبَرُّكًا ويُتَّبع رسمُه خطأً أو صوابًا. وأين نِسبةُ ذلك من ?لصحابة وما كتبوه! فاتُّبِع ذلك وأُثْبِت رسمًا، ونَبَّه ?لعلماءُ بالرسم على مَوَاضِعه. ولَا تَلْتَفِتَنَّ في ذلك إلى ما يزعمه بعض ?لمُغَفَّلِينَ من أنهم كانوا مُحْكِمينَ لصناعة ?لخط، وأن ما يُتخيل من مخالفةِ خطوطهم لِأصُول ?لرسم ليس كما يُتخيل، بل لِكُلِّهَا وَجْهٌ. ويقولون في مثل زيادة ?لْألف في "لا أذبحنه" أنه تنبيه على أن ?لذبح لم يقع، وفي زيادة "?لياء" في قوله "بأييد" أنه تنبيه على كمال ?لقدرة ?لربانية. وأمثال ذلك، مما لَا أصل له إلَّا ?لتحكم ?لمحض. وما حَمَلَهُمْ على ذلك إلَّا ?عتقادُهم أن في ذلك تنزيها للصحابة عن تَوَهُّم ?لنقص في قِلَّةِ إجادة ?لخط. وحَسِبُوا أن ذلك ?لخط كمال، فَنَزَّهُوهُم عن نقصه، ونسبوا إليهم ?لكمال بإجادته، وطلبوا تعليلَ ما خالف ?لْإجادة من رَسْمِه، وذلك ليس بصحيح.» [25].

ويأتي في ?لعصر ?لحديث محمد عبد ?لعظيم ?لزرقاني (1367هـ/1947؟) في كتابه مناهل ?لعرفان في علوم ?لقرآن، ليؤكد أن: «للعلماء في رسم ?لمصحف آراءٌ ثلَاثةٌ: ?لرأي ?لْأول، أنه توقيفي لَا تجوز مخالفتُه، وذلك مذهب ?لجمهور. و?ستدلوا بأن ?لنبي -صلى ?لله عليه وسلم- كان له كُتَّابٌ يكتبون ?لوحي، وقد كتبوا ?لقرآن فِعْلًا بهذا ?لرسم وأَقَرَّهُم ?لرسول على كتابتهم. ومضى عهده -صلى ?لله عليه وسلم- و?لقرآن على هذه ?لكِتْبَة لم يحدث فيه تغيير ولَا تبديل، بل وَرَدَ أنه -صلى ?لله عليه وسلم- كان يضع ?لدستور لِكُتَّابِ ?لوحي في رسم ?لقرآن وكتابته. [ ... ]؛ ومُلَخَّصُ هذا ?لدليل أن رسم ?لمصاحف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير