تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

?لعثمانية ظَفِرَ بأُمور كل واحد منها يجعله جديرًا بالتقدير ووُجوب ?لِاتباع. تلك ?لْأمور هي إقرار ?لرسول صلى ?لله عليه وسلم عليه، وأمره بدستوره. وإجماع ?لصحابة -وكانوا أكثر من ?ثني عشر ألف صحابي- عليه، ثم إجماع ?لْأمة عليه بعد ذلك في عهد ?لتابعين و?لْأئمة ?لمجتهدين. [ ... ]. ويُمكن مناقشة هذا ?لرأي ?لْأول بأن ?لْأدلة ?لتي ساقوها لَا تدل على تحريم كتابة ?لقرآن بغير هذا ?لرسم؛ إذ ليس فيها زجر ?لْإثم ووعيدُه، ولَا نهي ?لحرام وتهديدُه. إنمّا قُصَاراها ?لدلَالة على جَوَازِ ?لكتابة بالرسم ?لعثماني ووَجَاهتِه ودِقَّتِه. وذلك مَحَلُّ ?تفاقٍ وتسليمٍ [26]. ?لرأيُ ?لثاني: أن رسم ?لمصاحف ?صطلَاحي لَا توقيفي، وعليه فتجوز مخالفتُه. ومِمَّنْ جَنَح إلى هذا ?لرأي ?بن خلدون في مقدمته. وممن تحمس له ?لقاضي أبو بكر في "?لِانتصار"، [ ... ]. ونُوقِش هذا ?لمذهبُ: أولًا، بالْأدلة ?لتي ساقها جمهورُ ?لعلماء لتأييد مذهبهم. وها هي بين يديك عن كثب، بعضها من ?لسنة وبعضها من إجماع ?لصحابة و?لتابعين وتابعيهم [27]. ثانيا، أن ما ?دَّعاه من أنه ليس في نصوص ?لسنة ما يُوجِب ذلك ويَدُلُّ عليه مردودٌ بما سبق من إقرار ?لرسول كُتَّاب ?لوحي على هذا ?لرسم، ومِنْهم زيد بن ثابت ?لذي كتب ?لمصحف لِأبي بكر وكتب ?لمصاحف لعثمان و?لحديث ?لْآنف، وفيه يقول ?لرسول لمعاوية "أَلْقِ ?لدواة وحَرِّف ?لقلم، إلخ."، فإنه حُجّة على أنه -صلى ?لله عليه وسلم- كان واضع دستور ?لرسم لهم [28]. ثالثا، أن قول ?لقاضي أبي بكر "ولذلك ?ختلفت خطوطُ ?لمصاحف، إلخ"، لَا يُسَلَّم له بعد قيام ?لْإجماع و?نعقاده ومعرفة ?لناس بالرسم ?لتوقيفي وهو رسم عثمان على ما قرروه هناك. ونزيدك هنا ما ذَكَره ?لعلَّامة ?بن ?لمبارك نقلًا عن ?لعارف بالله شيخه عبد ?لعزيز ?لدباغ، إذ يقول في كتابه "?لْإبريز" ما نصه: "رَسْمُ ?لقرآن سِرٌّ من أسرار ?لله ?لمشاهدة وكمال ?لرِّفْعة. قال ?بن ?لمبارك: فَقُلْتُ له: هل رسم "?لواو" بدل "?لْألف" في نحو "?لصلَاة" و"?لزكاة" و"?لحياة" و"مشكاة"، وزيادة "?لواو" في "سَأُوريكم" و"أولئك" و"أولَاء" و"أولَات"، وكـ"?لياء" في نحو "هُدَيهُم" و"مَلائه" و"بأييكم" و"بأييد"، هذا كله صادر من ?لنبي (صلى ?لله عليه وسلم) أو من ?لصحابة؟ فقال: "هو صادر من ?لنبي (صلى ?لله عليه وسلم) وهو ?لذي أَمَر ?لكُتَّاب من ?لصحابة أن يكتبوه على هذه ?لهيئة، فما نقصوا ولَا زادوا على ما سَمِعُوهُ من ?لنبي، [ ... ] ما للصحابة ولَا لغيرهم في رسم ?لقرآن ولَا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من ?لنبي، وهو ?لذي أمرهم أن يكتبوه على ?لهيئة ?لمعروفة بزيادة ?لْألف ونقصانها لِأسرار لَا تهتدي إليها ?لعقول، وهو سِرٌّ من ?لْأسرار خَصَّ ?لله به كتابه ?لعزيز دون سائر ?لكتب ?لسماوية. وكما أنَّ نَظْمَ القرآن مُعْجِزٌ، فَرسمُه أيضا مُعجِز [29]. [ ... ]. ?لرأي ?لثالث: يميل صاحب "?لتبيان" ومن قبله صاحب "?لبرهان" إلى ما يُفهم من كلَام ?لعز ?بن عبد ?لسلَام من أنه يجوز، بل يجب كتابة ?لمصحف ?لْآن لعامة ?لناس على ?لِاصطلَاحات ?لمعروفة ?لشائعة عندهم، ولَا تجوز كتابتُه لهم بالرسم ?لعثماني ?لْأول، لِئَلَّا يُوقِع في تغيير من ?لجُهَّال. ولكن يجب في ?لوقت نفسه ?لمحافظة على ?لرسم ?لعثماني، كأثر من ?لْآثار ?لنفيسة ?لموروثة عن سلفنا ?لصالح، فلَا يُهمَل مراعاةً لجهل ?لجاهلين، بل يبقى في أيدي ?لعارفين ?لذين لَا تخلو منهم ?لْأرض. [ ... ]، أقول: وهذا ?لرأي يقوم على رعاية ?لِاحتياط للقرآن من ناحيتين، ناحية كتابته في كل عصر بالرسم ?لمعروف فيه، إبعادًا للناس عن ?للَّبس و?لخلط في ?لقرآن وناحية إبقاء رسمه ?لْأول ?لمأثور يقرؤُه ?لعارفون ومن لَا يُخشى عليهم ?لِالتباس. ولَا شك أن ?لِاحتياط مطلبٌ دينيٌّ جليلٌ، خُصوصا في جانب حماية ?لتنزيل» [30].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير