تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَلَعَلَّ مِنَ ?لْمُفِيدِ، هُنَا، ?لتَّذْكِيرُ بِأَنَّ ?لْخَطَّ ?لْعَرَبِيَّ مَا فَتِئَ يَتَطَوَّرُ عَبْرَ ?لزَّمَنِ وَأَنَّهُ مَرَّ، عَلَى ?لْأَرْجَحِ، بِثَلَاثِ حَلَقَاتٍ حَدَّدَتْ تَسَلْسُلَهُ مِنَ ?لْخَطِّ ?لْمِصْرِيِّ بِأَنْوَاعِهِ ?لْمُخْتَلِفَةِ إِلَى ?لْخَطِّ "?لْفِنِيقِيِّ"، ثُمَّ إِلَى ?لْخَطِّ ?لْمُسْنَدِ. وَأَنَّ هَذَا ?لْأَخِيرَ أَنْوَاعٌ، أَهَمُّهَا أَرْبَعَةٌ: ?لصَّفَوِيُّ وَ?لثَّمُودِيُّ وَ?للِّحْيَانِيُّ وَ?لسَّبَئِيُّ. وَمِنَ ?لْمُسْنَدِ ?لصَّفَوِيِّ تَفَرَّعَ ?لْخَطُّ ?لْكِنْدِيُّ وَ?لنَّبَطِيُّ، وَمِنَ ?لنَّبَطِيِّ تَحَدَّرَ ?لْحِيرِيُّ وَ?لْأَنْبَارِيُّ، وَمِنْهُ كَانَ ?لْخَطُّ ?لْحِجَازِيُّ ?للَّذِي هُوَ ?لنَّسْخِيُّ ?لْعَرَبِيُّ، ?للَّذِي يُعَدُّ ?لْكُوفِيُّ تَنْظِيمًا فَنِّيًّا فِيهِ [46].

يَبْدُو من المؤكد، إِذًا، أَنَّ ?لْخَطَّ ?لْعَرَبِيَّ قَدْ خَضَعَ لِلتَّطَوُّرِ وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ يَمْنَعُهُ، بِـ?لتَّالِي، مِنَ ?لْخُضُوعِ لِلتَّطْوِيرِ. وَيُضَافُ إِلَى هَذَا أَنَّ "?لرَّسْمَ ?لْعُثْمَانِيَّ" نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ مُنَقَّطَ ?لْحُرُوفِ وَلَا مَشْكُولًا، بَلْ إِنَّ عَلَامَاتِ ?لْوَقْفِ ذَاتَهَا وَ?صْطِلَاحَاتِ ?لضَّبْطِ ?للَّتِي وَضَعَهَا ?لْقُرَّاءُ كُلَّهَا أُضِيفَتْ، فِيمَا بَعْدُ، إِلَيْهِ لِتَكْمِيلِهِ وَتَحْسِينِهِ حَتَّى تَسْهُلَ تِلَاوَةُ ?لْقُرْآنِ. وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ إِلَّا هَذَا، لَكَانَ سببا كافِيا إِلَى ?لطَّمَعِ فِي تَطْوِيرِ وَتَجْوِيدِ ?لْخَطِّ ?لْعَرَبِيِّ، ?للَّذِي يُمَثِّلُ أَصل "?لرسم ?لعثماني" كما هو في ?لقرآن ?لكريم.

ولقد أصبحت ?لْكِتَابَةُ ?لعربية ?لْآن -إلى حدٍّ ما- كتابةً مِعْيَارِيَّةً، حيث إنها تُوجِبُ إِظْهَارَ ?لْهَمْزَةِ فِي "بسم" حَتَّى تَكُونَ "بِاسْمِ" (لَا "بَسَمَ") وَ?لْأَلِفِ فِي "?للَّهِ" حَتَّى تَكُونَ "?للَّاهُ" (وأصلها ?لِاشتقاقي، بعيدا عن كل ?لتوهمات، ليس سوى لفظ "?لْـ[إِ]ـلَاهُ") وفِي "?لرَّحْمَنِ" لِكَيْ يُعْلَمَ أَنَّهَا صفة مبالغة عَلَى وَزْنِ "فَعْلَانَ"، وَأَنَّ "?لْمائة" يَجِبُ أَنْ تُحْذَفَ أَلِفُ ?لْمَدِّ مِنْهَا لِتَكُونَ "مِئَةٌ" (وَفْقَ ?لْقَرَارِ ?لْمَجْمَعِيِّ)، وَأَنَّ "ءَامَنُوا" وَ"?لْأَخِرَةَ" بالْمَدِّ "آمَنُوا" وَ"?لْآخِرَة"، وَأَنَّ "?لْحَيَاةَ" وَ"?لصَّلَاةَ" يَجِبُ أَنْ تُكْتَبَا هَكَذَا حَتَّى لَا تُقرآ "حَيَوَاتٍ" أَوْ "صَلَوَاتٍ".

وليس يخفى أن أي مطالبة بتغيير "?لرسم ?لعثماني" في ?لقرآن ?لكريم لن تلقى -بين علماء ?لمسلمين بالحال ?للذي هم عليه ?لْآن- سوى ?لمعارضة ?لشديدة، بل إن منهم من لن يتردد طَرْفَةَ عَيْنٍ في تكفير صاحبها أيا يكن. وإِنه لَمِنْ سوء حَظِّ ?لْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونَ كِتَابُهُمْ ?لْمُقَدَّسُ حكرا بَيْنَ أَيْدِي فِئَةٍ مَا فَتِىءَ أَصْحَابُهَا يَتَفَنَّنُونَ فِي جَعْلِهِ كِتَابًا مَكْنُونًا لَا يَسْتَطِيعُ قِرَاءَتَهُ إِلَّا حَمَلَةُ ?لْأَسْفَارِ مِنَ ?للَّذِينَ أَتْلَفُوا أَعْمَارَهُمْ فِي لُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ. وَيَا حَسْرَةً عَلَى لِسَانٍ يُحْرَمُ أَهلُه من مُلَابسة بيانِ أعظم نص كُتب فِيه، وَرَغِمَتْ أُنوفُ ?لجاحدين إلى يوم ?لدين!

وبعيدًا عن صنيع ?للذين لَا يُحسنون شيئا سوى سوء ?لفهم وإساءة ?لظن بالناس، ما ?للذي يُمكننا فعلُه، مما لَا يمس ?لْأمور ?لتوقيفية، وإِنَّما يَأتِي بمزيدٍ من ?لتحسين و?لتجويدِ في نص ?لمصحف ?لشريف؟

إنما هي ثَلَاثةُ أمور:

1 - كتابة ?لحروف بشكل معياري و، من ثم، إعادة كتابة إملَاء بعض ?لْألفاظ؛

2 - كتابة ?لْآيات بترتيب تنازُلِي (لِأن ?لقرآن كَلَامٌ منزل) وليس بترتيب خطي كما هو شائع؛

3 - توقيفُ ?لنص بوضع عَلَامات ?لوقف ?لمتعارفة (?لنقطة، ?لفاصلة، علَامة ?لسؤال، عَلَامة ?لتأثر، إلَخ.)؛

إنها أمورٌ قد تبدو لكثيرين شكليَّةً تماما. ولَاكِنَّها، في ?لعمق، تجعل كتاب ?للَّاهِ في متناول كل من أمكنه أن يتهجى ?لِألفباء ?لعربي. وهل من غاية أخرى يطلبها ?لمسلم سوى أن يكون كتابُ ?للَّاهِ مُيَسَّرًا للتلَاوة آناء ?لليل و?لنهار بين ?لناس، صغيرهم وكبيرهم، مُتعبِّدِهم ومتعلمهم، ?لمؤمن منهم و?لمرتاب!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير