تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن أمثلة استسهال الناس نطق هذه الحروف، حتى غير الصعبة، ما نسمعه في اللهجات العربية المعاصرة لدى جماعات من أهل حلب وريفها، إذ يسقطون بعض حروف الحلق من كلمات معينة، كقولهم (أربين) بدل أربعين، و (رو) بدل روح، أو حروف أخرى كقولهم (خو) بدل خود أي خذ .. وكان سكان الحي اليهودي يقولون: يوم (الأحا) بدل الأحد. وفي كثير من البلاد العربية كمصر يسقطون الميم وهي علامة الجمع فيقولون (عندكو) بدل عندكم، على حين يسقط سائر العرب ميم الجمع في قولهم (انتو) بدل أنتم.

ومعظم العرب اليوم، ما عدا كثيرين في الأرياف ومنطقة حوض الفرات في سورية والعراق، يسقطون نون الأفعال الخمسة، فيقولون (يلعبو، يصلو) بدلاً من يلعبون ويصلون.

أما ألف الاثنين وصيغة التثنية فلم يعد لهما وجود في كلام الناس. وذلك كله من قبيل الاستسهال والاقتصاد في الجهد.

وفي صدد تمايز اللغات على هذا الصعيد الصوتي، حيث ينطوي بعضها على حروف ليس لها نظير في لغات أخرى، كما تقدم، يبدو من العسير على أي دارس تعليل هذا الاختلاف المتجذر لدى الإنسان منذ الأزل. إنه يمثل إحدى الظواهر البارزة في المجتمعات البشرية التي تتوضع على بساط البحث ليتسنى رصدها وتحليلها. بل إن هذا الاختلاف النسبي في مجال زمرة معينة من الحروف ينم على خصوصية الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، كما ينم على تفرده دون سائر الحيوان، من حيث اتسامه الذاتي بملامح وجهه ونبرات صوته وبصمات أصابعه، وما ذلك في حقيقته إلا التعدد ضمن إطار الوحدة، والتنوع في رحاب الشمول.

ب ـ حرف الراء من الوجهة الصوتية:

وقد فطن اللغويون العرب قديماً إلى هذه الظاهرة الصوتية، في حدود معرفتهم ببعض لغات عصرهم ومغايرتها أحياناً للغة العربية في عدد من الحروف، ولعل أسبقهم الخليل الفراهيدي إذ قال (13): "وليس في شيء من الألسن ظاء غير العربية". ثم لاحظ الأصمعي مثل ذلك أيضاً وقال (14): "ليس للروم ضاد، ولا للفرس ثاء، ولا للسريان ذال". ولو أتيح للخليل أو للأصمعي في ذلك الزمن المبكر المزيد من المعطيات المعرفية لأضاف إلى قوله هذه العبارة مثلاً "وليس لأهل الصين راء ... " وهذه حالة مستغربة في اللغة الصينية التي قد تكون الوحيدة ـ في حدود علمنا ـ على هذا الصعيد دون سائر اللغات.

أما حرف الراء من الوجهة الصوتية، وفي المنظور اللساني، فهو ذو خصوصية أخرى تميزه من سائر الحروف، وعلى صعيد كثير من لغات البشر.، إنه نادر الغياب عن بعضها، سائد الحضور في معظمها. وهو في الوقت نفسه مختلف الأداء على ألسنتها، وقلما يلفظ على نحو واحد وهذا معهود في اللغة الفرنسية وفي الإنكليزية والألمانية وغيرها. فالإنكليز، كما يصفهم العرب، يبتلعون الراء في كلامهم، على حين تبدو الراء على ألسنة الأمريكيين أجلى. وفي ذلك يذكر الدكتور كمال بشر (15): "إن الراء في الإنكليزية يختلف نطقها باختلاف موقعها. أما العرب فلا يميزون بين هذه الراء وتلك. ففي اللغة الإنكليزية النموذجية Standard British English لا تكاد الراء تلفظ إذا وقعت في آخر الكلمة مثل Singer، أو وقعت في وسط الكلمة غير متبوعة بحركة، كما في نحو Garden. وإنما تنطق الراء الإنكليزية إذا تبتعها حركة، سواء كانت في وسط الكلمة وأولها Present, Right, Red..." والراء كما يسميها علماء اللسانيات صوت مستلب أو مستل أو مفرد Flapped Consonant، ويحدث صوت الراء نتيجة طرقة واحدة من طرف اللسان على اللثة، ويصدر الوتران الصوتيان عند نطقها نغمة موسيقية فهذه الراء حرف صامت مجهور لثوي مستل (16) A Voiced alveolar Flapped consonant.

أما الراء في اللغة الفرنسية، وعلى نحو أخص في لهجة باريس الغالبة، فيلفظها الفرنسيون على نحو مغاير بحيث تكون شبيهة بصوت الغين العربية، أو الغين الخفيفة. والراء الألمانية أقرب ما تكون إلى هذه الراء الباريسية. "ويحدث صوتها حين تتذبذب اللهاة على أقصى اللسان، أي بحدوث طرقات سريعة متوالية، فتصدر عندئذ عن الوترين الصوتيين نغمة موسيقية عند تكوين الصوت، وهو صوت صامت مجهور ... ". فكلمة Frère الفرنسية أي الأخ تنطق "فغيغ". وليس لفظها هذا ميسراً بدقة على ألسنة العرب بوجه عام. وفي مقابل ذلك يصعب على الفرنسي بل يكاد يتعذر عليه أن ينطق الراء العربية ـ وهي صوت مكرر ـ كأهلها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير