تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي هذا الصدد، من حيث اقتراب صوت الراء في لغات الغرب الأوربي من صوت الغين، يرى الدكتور محمود فهمي حجازي (17): "أن عدداً من اللغات الأوروبية لا تميز الراء عن الغين من الناحية الفونيمية ... ولذا يجد أبناء اللغة الألمانية مثلاً صعوبة في التمييز بين الراء والغين عند تعلمهم اللغة العربية. ويصعب هذا الأمر لو التقى الصوتان في كلمة واحدة مثل (مغرب)، فتسمع هذه الكلمة عند كثير منهم كما لو كانت بغين مشددة" ...

ويتجلى الأمر نفسه، أي تداخل صوتي الراء والغين، في كلام صغار الأطفال من أي قوم. "إذ يغلب لديهم أن تكون الراء لهوية، وهذا سبب قربها من الغين لتقارب مخرجيهما" (18).

والإسبان، خلافاً للإنكليز، يلفظون الراء شديدة النبرة والوضوح. ولا تختلف الراء الأرمنية عن الراء العربية إلا قليلاً، إذ إنها صوت مكرر أي مشدد. وهي مبثوثة في داخل الألفاظ وفي نهاياتها، لكن الألفاظ في الأرمنية التي تبدأ بحرف الراء قليلة بل نادرة لا تتجاوز عشر كلمات، وهذه في معظمها دخيلة على اللغة الأرمينية، كما أنها أخفت نطقاً من سائر الراءات (19).

وإذا كان لهذا التداخل الصوتي بين الراء والغين لدى الأطفال وفي العديد من اللغات من دلالة، فهي أيضاً صعوبة نطق الراء، ومن ثم ترجرج أصوات هذا النطق وتعدد أوجهه. وقد يؤدي ذلك إلى اللثغة في تعدد أشكالها أيضاً، على غرار ما سيتضح بعد صفحات وربما كانت هذه الصعوبة المتحكمة في النقط أشق على الطفل، بحيث تدفعه إلى إسقاط الراء جملة من كلامه عوضاً عن البحث عن حرف بديل. وقد نقل الدكتور إبراهيم أنيس (20) عن أحد الأدباء الفرنسيين أن طفله نطق كلمة Merci (Meci)، أي من دون راء، وذلك وفق قانون الاستسهال المعهود.

...

والراء من الوجهة الصوتية حرف منطوق لدى الأمم، قديمها وحديثها، وله حيز في لغات العالم القديم وكتاباتها، ومنها السومرية والأكادية والهيروغليفية والسنسكريتية والإغريقية وسائر اللهجات الكنعانية واللاتينية .... ونجد هذا الحرف مثلاً في كلمات "أرض" العربية، Erestu' الأكادية، و Erd في العربية الجنوبية، و Eres في العبرية (21) .... وتعد الراء عند علماء العربية قديماً من أكثر الحروف دوراناً على لسان العرب" (22).

وحرف الراء هو الحرف العاشر من حروف الهجاء العربية وفق الترتيب الألفبائي، وموقعه الحرف العشرون على حسب الترتيب الأبجدي. وهو يرمز إلى العدد مئتين 200 فيما يعرف (بحساب الجمّل) (23). ومن المصادفات أن يكون موقع الراء هو العشرين أيضاً في الترتيب الحلقي للخليل الذي بنى عليه معجمه "العين"، وأن يحافظ هذا الحرف أيضاً على موقعه العشريني في تعاقب حروف معجم "البارع" لدى أبي علي القالي، وكذلك في معجم "تهذيب اللغة" لدى معاصره الأزهري ... (24).

وقد حظيت الراء، ومعها أحرف أخرى قليلة وهي الضاد والجيم باهتمام اللغويين والأدباء من العرب الأقدمين، وكانت لهم فيها دراسات مسهبة ودقيقة. وحين ألّف الخليل معجمه الرائد وجعل ترتيب الحروف على حسب مخارجها في الفم بدءاً من أقصى الحلق وانتهاء بالشفتين، غدا بذلك واضع علم الصوتيات Phonlogie. ثم مضى الذين أتوا بعده في تناولهم حروف الهجاء ومحاولتهم تبيين مخارجها، والكشف عن آلية النطق بها. كما عني تلميذه سيبويه ولفيف من اللغويين، وفي طليعتهم ابن جني برصد مخارج الحروف في ألفاظ العربية على أساس صوتي من حيث الجهارة والهمس، فجعلوها في صنفين، فهي إما مجهورة، كالهمزة والضاد والراء ... ، وإما مهموسة كالهاء والحاء (25). وكان الخليل هو الأسبق إلى التفريق بين المجهور والمهموس.

وفي الوقت نفسه رأى سيبويه أن حروف العربية مطبقة أو غير مطبقة، فالمطبقة تضم الضاد والصاد والطاء والظاء .... ، تقابلها حروف غير مطبقة أي منفتحة ومنها الدال والزاي والسين ... وهي تشكل غالبية حروف العربية، وفي عدادها حرف الراء. "والأصوات المطبقة عند سيبويه، أن ينطبق اللسان إلى ما يحاذي الحنك الأعلى، أي ارتفاع طرف اللسان وأقصاه نحو الحنك، وتقعر وسط اللسان" (26)، والإطباق في اللغة العربية كما يرى برغشتراسر (27) نوع من الاستعلاء الذي هو رفع أقصى اللسان نحو ما يليه من الحنك، ويزاد على ذلك تقلّص ما في الحلق وأقصى الفم".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير