تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى صعيد ثان، من حيث شدة الحروف أو رخاوتها وجد سيبويه أن حروف الهجاء العربية تقع ضمن ثلاث مجموعات أو زمر، الأولى حروف شديدة، وهي الهمزة والقاف، والكاف والجيم ... ، والثانية هي الرخوة، وتضم الهاء والحاء والخاء والسين .... إلخ .. ووجد زمرة ثالثة هي بين بين، أي بين الرخاوة والشدة، وفيها الراء والنون واللام. وهذه الصفة تعرف في الدراسات اللغوية الحديثة بأنها حرف مائع Liquide(28).

ومن جهة أخرى أو على صعيد ثالث لاحظ سيبويه في حرف الراء سمة تميزه من سائر الحروف، فهو حرف منفرد لا يشاركه على صفته حرف سواه، وهي التكرير الصوتي، قال (29): "ومنها المكرر. وهي حرف شديد يجري فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام، وهو الراء". وقال في موضع آخر (30): "الراء إذا تكلمت بها أخرجت كأنها مضاعفة، والوقف يزيدها إيضاحاً"، والمقصود بذلك هو تكرار اهتزازات اللسان في أثناء النطق به. "ويصنف حرف الراء أيضاً في الدراسات المعاصرة بأنه وحده من الصوامت المكررة Rolled Consonants(31).

وفي "باب الإدغام" يصنف سيبويه في كتابه أصوات الحروف المجهورة على أساس قوامه الجهر والهمس، ويذكر إن الأصوات المجهورة تبلغ تسعة عشر حرفاً، وفي عدادها حرف الراء. أما الأصوات الأخرى أي المهموسة فعددها عشرة أحرف. ثم يقول مفصلاً (32): "فالمجهور حرف أشبع الاعتماد عليه في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه، وأما المهموس فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه".

كذلك عين صاحب "الصحاح" هذا الصوت المجهور بقوله (33): "ومخرج الراء من طرف اللسان، بينه وبين ما فوق الثنايا العليا".

ويبدو لنا أن أبا الفتح بن جني كان الأقدر في هذا الصدد، إذ استطاع تعيين آلية نطق الراء على اللسان، وبيان مخرجه في الفم، وفي ذلك قال (34): "الراء هو الصوت المنحرف، لأن اللسان ينحرف فيه مع الصوت، وتتجافى ناحيتا مستدق اللسان عند اعتراضهما فويقهما على الصوت، فيخرج الصوت من تينك الناحيتين ومما فويقهما". وقال في موضع آخر "ومن الحروف المكررة، وهو الراء، وذلك أنك إذا وقفت عليه رأيت طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرير، ولذلك احتسب في الإمالة بحرفين". وذكر غير هؤلاء أيضاً سمة التكرير (35) بقوله: "الراء يقال لها الحرف المكرر لأنك إذا نطقت بها كنت كأنك ناطق براءين". ثم فصّل الدكتور كمال بشر هذه السمة بقوله (36): "يتكون هذا الصوت بأن تتكرر ضربات اللسان على اللثة تكراراً سريعاً. وهذا هو السر في تسمية الراء بالصوت المكرر، ويكون اللسان مسترخياً في طريق الهواء الخارج من الرئتين، وتتذبذب الأوتار الصوتية عند النطق به، فالراء صوت لثوي مكر مجهور".

ج ـ الإدغام وتقارب مخارج الحروف:

تشكل الحروف العربية وفق مخارج أصواتها في الفم Point d' Articulation رمزاً متقاربة فيما بينها ومتشابهة مثل زمرة حروف الحلق، فحروف الذلق، فالحروف اللثوية، فالحروف الشفوية ... وعلل أبو الفتح بن جني (37): "اختلاف الأجراس في حروف المعجم باختلاف مقاطعها (أي مخارجها) التي هي أسباب تباين أصدائها". وذكر أن "بعضهم شبه الحلق والفم بالناي، فإن الصوت يخرج فيه مستطيلاً أملس ساذجاً ... ، فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة وراوح بين أنامله، اختلفت الأصوات، وسمع لكل خرق منها صوت لا يشبه صاحبه".

وتقع الراء ضمن حروف الذلق وهي ثلاثة: "الراء، اللام، النون". وتبعاً لتقارب مخارج الأصوات ضمن كل مجموعة وضيق حيز كل منها داخل الفم، فإنه من الطبيعي أن يحدث تداخل بين هذه الأصوات، أو اختلاط بعضها ببعضها الآخر، أو حلول أحدها محل الآخر ... إلخ وهذا معهود مثلاً بين الحاء والهاء، وبين القاف والكاف، وبين الضاد و الظاء، وبين السين والصاد، وبين الزاي والسين وبين التاء والطاء ... ، وأيضاً بين الراء واللام ...

قال الخليل في كتابه العين (38): "اعلم أن الحروف الذلق والشفوية ستة، وهي ر ل ن، ف ب م. وإنما سميت هذه الحروف ذلقاً لأن الذلاقة في المنطق إنما هي بطرف أسلة اللسان والشفتين، وهما مدرجتا هذه الأصوات الستة، منها ثلاثة ذلقية ر ل ن تخرج بعد ذلق اللسان من طرف غار الفم" وقال: "ولا ينطلق طرف اللسان إلا بالراء واللام والنون". ثم قال: "ثم الراء واللام والنون في حيز واحد".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير