تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذكر صاحب الصحاح (39) أن: "الحروف الذلق حروف طرف اللسان والشفة، ثلاثة ذولقية: اللام والراء والنون، وثلاثة شفهية: الميم والباء والفاء"، وقال: "ذولق اللسان والسنان طرفهما".

ولا ريب في أن فقهاء اللغة في الماضي أحسوا بالعلاقة الصوتية بين هذه الحروف الثلاثة، فجمعوها تحت اسم واحد هو الحروف الذلقية Apicales. وتمتاز هذه المجموعة بوضوحها الصوتي، "فهي شبيهة بأصوات اللين، ليست شديدة لا يسمع معها انفجار وليست رخوة فلا يكاد يسمع لها حفيف الأصوات الرخوة. ولذا عدها القدماء من الأصوات المتوسطة بين الشدة والرخاوة ... " (40).

والتداخل بين الحروف الذلق الثلاثة كثير الوقوع في كلام العرب وأيضاً في قوافي أشعارهم، بحيث يحل حرف محل آخر. من هذا القبيل مثلاً ما يقع بين الراء والنون، وفي ذلك يقول الخليل (41): "وأما الراء فمنحرفة من مخرج النون إلى اللام لمزية دموجها في ظهر اللسان عند الكلام، ولقرب مخارجها يبدل بعضها من بعض". كذلك يكون التداخل بين اللام والنون (42)، والراء واللام ... وفي ذلك يذكر سيبويه بصدد الراء، ويجاريه أيضاً ابن جني والزمخشري في أن هذا الحرف (43) من مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً لانحرافه إلى اللام". وهذا يوافق ما نعبر عنه اليوم بأنه صوت لثوي.

ومن خصائص العربية على الصعيد الصوتي ندرة اقتران الراء والنون بل عدمه، بسبب تجاور مخرجيهما. وإلى ذلك يذهب اللغويون العرب (44) فيرون أنه لا تكاد الراء تكون بعد النون من غير فاصل في كلام العرب" وهذا سائد في المعاجم وسائر كتب اللغة، على حيث يكثر ذلك في الكلمات الدخيلة، من الفارسية والهندية والتركية وغيرها، مثل: نرد، نرجيلة، نرمين نردين نرفانا ... ويقول سيبويه في هذا الصدد تجاه هذين الحرفين الذولقيين (45): "ولا نعلم النون وقعت ساكنة في الكلام قبل راء ولا لام، لأنهم إن بيّنوا ذلك ثقل عليهم، لقرب المخرجين". وآية ذلك أن العرب كانوا يؤثرون إدغام النون باللام، بحيث يسقطون النون من كلامهم ويقلبونها لاماً، وذلك في مثل: (إن لا، أو أن لا). فيقولون: (إلا، وألا، ولئلا) كأن نقول: انتبه، وإلا أوذيت، أو: أرجو ألا تكون مخطئاً، أو ابتعد عن رفاق السوء لئلا تعد منهم .. وعلى ذلك جنح كبار القراء في الإسلام في تلاوتهم آيات القرآن الكريم إلى هذا المنحى، أي إلى الإدغام الذي غدا عنصراً مهماً في علم "التجويد".

وإذا انعطفنا من النون واللام، إلى الراء واللام، وهذه جميعاً من زمرة الحروف الذولقية، تبدت أمامنا صور مشابهة من النطق أيضاً، ولعلها أشمل في هذا الصدد، أي ضمن الظاهرة الصوتية المسماة بالإدغام. ولسيبويه أيضاً آراء سديدة ضمن "باب الإدغام" الذي يعد من أهم فصول كتابه وأدقها في مجال الصوتيات. ومن نظراته في هذا الصدد تناوله لام المعرفة، أي لام التعريف، فهي (46) "تدغم في ثلاثة عشر حرفاً، لا يجوز معهن إلا الإدغام لكثرة لام المعرفة في الكلام، وكثرة موافقتها لهذه الحروف ... منها حرفان يخالطان طرف اللسان. والأحد عشر حرفاً: النون والراء، كقولك النعمان والرجل ... إلخ". والأمثلة على ذلك كثيرة في كلمات لا تكاد تحصى إضافة إلى ذلك ضمن ما اصطلح عليه النحاة حول الكلمات التي تتصل بها اللام الشمسية، والكلمات المقابلة التي تتصل بها اللام القمرية ... غير أن سيبويه لا يرى الإدغام بين اللام والراء مطرداً إلا مع اقتران الراء بأل التعريف أي على صعيد اللامات الشمسية، فهو يمضي في قوله: " ... فإن كانت غير لام المعرفة، نحو لام (هل وبل)، فإن الإدغام في بعضها أحسن، وذلك في قولك: (هرّ أيت). وإن لم تدغم فقلت (هل رأيت) فهي لغة لأهل الحجاز، وهي عربية جائزة". ويفصل سيبويه القول في حالات الإدغام، فيأتي بأمثلة أخرى للراء مع النون في مثل: مرّ أيت، أي من رأيت، ويقول (47): "وتدغم اللام مع الراء لقرب المخرجين، لأن فيها انحرافاً نحو اللام قليلاً، فقاربتها في طرف اللسان، وهما في الشدة وجري الصوت سواء، وليس بين مخرجيهما مخرج، والإدغام أحسن". ومن أمثلة ذلك أيضاً الكلمتان الواردتان في إحدى آيات القرآن الكريم، وهي (48): (كلا بل ران على قلوبهم (فقد أثر بعض قراء المسلمين تلاوة الآية: "كلا برّان" ... بإدغام اللام مع الراء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير