تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذه السوابق التي تلتصق بأصل الألفاظ في اللغات اللاتينية بوجه عام وأيضاً بالإنكليزية، تكسب اللفظ عدة دلالات، وذلك على قاعدة "زيادة المبنى تقتضي زيادة المعنى". أهمها دلالة تكرار الفعل أو إعادته، مثل Relier أي إعادة الربط، Remarier أي الزواج ثانية. وقد يضيف السابق Re إلى أصل الكلمة معنى جديداً لم يكن فيها، كقولهم Retourner أي عاد ورجع، لأن الأصل المجرد Tourner يعني دار. وكذلك تعني كلمة Renaissance النهضة والانبعاث، إذ معنى المصدر في الأساس، أي Naissance هو الولادة. وفي أحيان أخرى أقل على هذا الصعيد يدل هذا المقطع Re على الضدية في مثل كلمة Reaction التي تعني الارتكاس أو ردة الفعل، مع أن أصل الكلمة المجردة Action يعني الفعل والعمل ...

كل ذلك يشير في العديد من اللغات، كالفرنسية والإنكليزية والتركية والألمانية وسواها، إلى الوظائف المتعددة لحرف الراء فيها.

ن ـ الراء في اللغة المحكية:

إن نظرية نشوء اللغة عند البشر الأولين من منطلق محاكاة الأصوات في الطبيعة، والتي استحسنها ابن جني ([71]) في كتابه "الخصائص"، قد تبدو صالحة لتعليل دلالات جانب من ألفاظ اللغة، ومن هذا القبيل دلالة صوت الراء.

إن هذه الراء كما وصفها اللغويون العرب قديماً وحديثاً، صوت مكرر مجهور، يحدث حين تتكرر ضربات اللسان على اللثة تكراراً سريعاً. ويبدو لنا أن هذا التكرار الصوتي على صعيد المبنى ينطوي على دلالة مقابلة على صعيد المعنى، إذ يفيد أيضاً التكرير أو الإعادة أو الاستمرار، أو ما كان من نحو ذلك. فكما دل المقطع Re أو السابق Prefixe في عدد من اللغات الأوروبية واللاتينية على تكرير الفعل وإعادته واستمراره، فإننا نجد هذه الظاهرة، على نحو ما، في العديد من الألفاظ العربية. فمادة "شرّ" أو "شرر"، كما تذكر المعاجم، تفيد الحركة والاستمرار والنشاط والشدة ... ، من ذلك: شرَّ الشيء أي عضه، وأشرَّ الشيء أظهره، وشرشره قطّعه، والشرير جانب البحر، وشرة الشباب نشاطه وعنفوانه، والشرر والشرار ما يتطاير من النار ... وبوسعنا أن نجد دلالات مشابهة في ألفاظ أخرى ترتكز أيضاً إلى الراء مثل: ثرّ، جرّ، خرّ، در، ذرّ، فر، كرّ، مرّ .... وكلها دلالات تشير إلى الحركة والنشاط والشدة والتواصل والتكرير والاستمرار ... ، ونحو ذلك مما يمتاز به حرف الراء من الوجهة الصوتية، سواء في العربية وفي اللغات الأخرى ...

وحين ينعطف الباحث إلى التدقيق في اللهجات العامية السائدة اليوم يلاحظ حضور حرف الراء في كثير من الأفعال الثلاثية المجردة، حيث لم يكن له وجود أصلاً في عداد حروفها. ومن هذه الأفعال: "فقع، فشخ، طبش، عرش، شبك، طبق، حكش، وخمش .... ، فالناس يحولونها إلى "فرقع، فرشخ، طربش، وتطربش، وعربش وتعربش، تشربك، طربق، تحركش، خرمش ... إلخ وهذا التحويل أو التحوير لا ينضوي تحت باب المترادف من الألفاظ، لأن الدلالة تختلف من حال إلى حال بحيث تفيد معنى الزيادة أو التكثير أو الشدة، أو نحو ذلك في الفعل المعدول، وذلك وفق المبدأ السائد في فقه اللغة، وهو أيضاً أن "زيادة المبنى تقتضي زيادة المعنى". ففعل فرقع يعني قوة الانفجار، وطربش يعني شدة التحطيم، وتعربش، وهو فيما نقدر من العرش وعلوه أو العريشة ويعني المضي في التسلق، وخرمشه زاد في خمشه وتجريحه. وتحركش به أي تحرش به وأثاره ... إلخ. وذلك كله يقابل دلالة صوت الراء على الحركة في مثل بعثر وقرزم ودحرج، وفي هذا الصدد مثلاً يتمحل بعض اللغويين فيرجعون دحرج الرباعي إلى فعين ثلاثيين معاص هما دحر/درج، وكلاهما أيضاً يتضمنان الراء.

وثمة زمرة أخرى من الألفاظ المشابهة، غير أنها في عرف الصرفيين من قبيل المجرد الرباعي، والراء فيها تبدو أصلية كباقي حروف الكلمة، بحيث لا يتبدى لنا بيسر أصل اشتقاقها ودلالاتها، وهي تنطوي أيضاً على دلالات خاصة في العربية المحكية وذلك بفضل وجود الراء ضمن حروفها، كوصف العامة لأحدهم بأنه "حربوق" أي ماهر نبيه كثير الحركة ويعرف من أين تؤكل الكتف. والأفعال في هذا الصدد عديدة كلها يفيد الحركة والكثرة والشدة والاستمرار أيضاً: مثل برطم، أي عبس وتجهمت سحنته، وفشخر أي تبجح وتفاخر، وبربر أي تكلم بألفاظ غير واضحة المعنى ولكنها تنم على التذمر والتوعد. ودربك أي رمى ودحرج. ودركل أي قذف بالآخر من الأعلى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير