6 ـ أن تنوعها مرجع لا يستغني عنه المفسر إذا أراد تفسير القرآن، لأن أول ما يُفسر به القرآن نفسه لأنه كلام منزل وهو أدرى بما يريد.
ولا يستغني عنه النحوي واللغوي، لأن القرآن أوثقُ مصادر اللغة وأصحها وأفضلها وأولاها، فهو كلام خالق اللغات وهادي البشرية إليها، وهو الذي قيل فيه عنه: ?نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ? [الشعراء: 193 ـ 195].
ولا يستغني عنه الفقيه إذا ما أراد استنباط الأحكام لأن القرآن بقراءاته هو المرجع الأساس لذلك وما بعده كله بيان له وفرع عنه.
وبالجملة لا يستغنى عنها أي باحث عن الحقيقة وأي باحث عن العلم الصحيح لأن القرآن الكريم بقراءاته الثابتة هو المصدر الموثوق الذي اجتمعت عليه كلمة المسلمين باختلاف مشاربهم، وهو في الوقت نفسه الكتاب الوحيد في التاريخ الذي ثبت كونه كلام الله المحفوظ من أي تبديل أو تغيير وحجته قائمة على كل باحث على الحقيقة إلى قيام الساعة.
ثاني عشر: التزام أحكام التعامل مع القرآن معها سواء بسواء، فلا يجوز أن يقرأ الإنسان شيئاً من القراءات الثابتة وهو جنب حتى يغتسل إلا ما استثنى كحالتي الاستشهاد والتعوذ ونحوها مما يفصل من مظانّه من كتب الفقهاء.
ولا يجوز أن يُمَسَّ شيءٌ من القرآن وقراءاته إذا كان مكتوباً استقلالاً إلا بحائل عند بعض الفقهاء ومطلقاً عند جمهورهم54 لأنّ القرآن لا يمسه إلا طاهر (55).
ولا يجوز أن تترجم على أنها قرآن بلغة أخرى لأن القرآن لم ينزل إلا بلسانِ عربيّ مبين، وإنما يجوز ترجمتها على أنها ترجمة لمعاني القرآن كي لا نقوِّل الله ما لم يقل (56).
وهكذا سائر ما ذكره العلماء من أحكام تتعلق بفقه التعامل مع القرآن تشمل القراءات لعدم الانفكاك والله أعلم.
ثالث عشر: الاستفادة منها من تخصصات عدة (57) بشكل عام، وفي علم الألسنية بشكل خاص، فعلم القراءات مبناه على النطق والأداء، ولن يلج حماه إلا من مرَّ بعلم التجويد مركزاً على مخارج الحروف وصفاتها، والمدود ومقاديرها، والتفخيم ودرجاته، والفتح والإمالة ومراتبها، وكل ذلك من أهم ما يعنى به علم اللسانيات (58)، فالعلمان متداخلان، وكلاهما خادم للآخر لو كان الناس يعقلون.
رابع عشر: عدم التفضيل بينها بشكل يؤدي إلى إسقاط بعضها وهذا قيد لا بد منه خروجاً من خلاف من خالف في ذلك وأجاز التفضيل بين القراءات لأن كل من قال بذلك لا أظنه يجيز إسقاط المفضول وإهداره وهو يؤمن أنه كلام الله.
ولمزيد من البيان أقول:
هذه مسألة من مسائل الخلاف، اختلف العلماء فيها على رأيين:
الأول: جواز ذلك وهو رأي أبي العباس الطنافسي البغدادي (59) ومكي ابن أبي طالب القيسي (60) وابن جرير الطبري (61) والإمام الغزالي (62) وأبي بكر بن العربي (63).
ويروى عن الإمام أحمد (64) ما يدل على أنه لا يمنعه، وهو مسلك أغلب النحويين المشهورين الذين نقل عنهم كلام في القراءات والطعن على أصحابها (65) ونقتصر على نزر مما نقل عن بعضهم خشية الإطالة.
ـ أما الطنافسي فقد روي عنه قوله: (من أراد أحسن القراءات، فعليه بقراءة أبي عمرو، ومن أراد الأصل، فعليه بقراءة ابن كثير، ومن أراد أفصح القراءات، فعليه بقراءة عاصم، ومن أراد أغرب القراءات، فعليه بقراءة ابن عامر، ومن أراد الأثر فعليه بقراءة حمزة، ومن أراد أظرف القراءات فعليه بقراءة الكسائي، ومن أراد السنّة فعليه بقراءة نافع) (66).
ـ أما الطبري فكتابه مليء بعبارة: «أولى القراءتين بالصواب ... ». وعبارة «أعجب القراءتين إلي .... » (67).
ـ أما الإمام أحمد فقد روى عنه صالح ابنه أنه سأله: أي القراءتين أحب إليك؟ فقال: «قراءة نافع قال: فإن لم توجد، قال قراءة عاصم» (68).
الثاني: المنع من ذلك:
وهو قول أبي عمرو الزاهد وأبي جعفر النحاس (69) وابن حبان (70) وابن العباس أحمد بن يحيى ثعلب (71). ونقل الزركشي أن ممن قال بذلك أبا الحسن الأشعري (72) والقاضي أبا بكر (73) وأبا حاتم وابن حبان وغيرهم، وهو مذهب أبي حيان الذي ناضل عنه مراراً (74).
ـ أما أبو عمرو الزاهد فقد قال في كتاب اليواقيت: «إذا اختلف الإعربان في القراءات لم أفضِّل إعراباً على إعراب فإذا خرجتُ إلى كلام الناس فضلت الأقوى» (75).
وترتيب من لفظ ثعلب كما سيأتي:
¥