تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنّ المتقدّمين من أهل الإقراء لم يكتفوا بالاعتماد على الأداء واالنصّ بل تجاوزوا ذلك إلى مرحلة النقد، فبعد أن تلقّوا القرءان رواية ودراية، انتقلوا إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة التأمّل والنظر والتمييز فأدركوا أنّ في بعض مرويّاتهم شدوذ أو ضعف من جهة الشهرة ممّا يجعل الوجه يفيد الظنّ ولا يصل إلى اليقين والقطع، فوضعوا الضوابط و شروط قبول الرواية الصحيحة وهو ثبوت القراءة بالسند الصحيح عن العدول الضابطين مع شهرتها وموافقتها لأحد المصاحف العثمانية، واعتمدوا على ما ثبت عندهم بالنصّ والأداء المشهور والقياس الصحيح المعتبر وغير ذلك ّ، فكانت هذه القواعد أدوات النقد والنظر والتمييز تهدف إلى حراسة الرواية. وبهذه الحراسة يمكن للناقد اكتشاف العلّة والخلل وما يطرأ على الرواية الصحيحة الأصيلة.

ولمّا كان الخلل طارئاً على الرواية في العهد القديم مع وجود الجهابذة الأئمّة النقاد، فإنّ عروضه في الوقت الحالي على الأداء المنقول يكون آكداً لا سيّما في وقت كثر فيه التقليد وتلاشت فيه أدوات النقد التي عمل بها أسيادنا، فصار الأداء هو الحاكم على صحّة الرواية فنتج عن ذلك اختلاف في الأداء مع الاتفاق في المصدر والإسناد، فلا مرجعيّة متينة وضعت لفكّ الخلاف على أسس علميّة مستخلصة من صنيع الأئمّة النقّاد من جهة، ولا أرادة لفهم على الأقلّ أسباب النزاع وما ينبغي فعله لتقليصه. وقد قال تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، فأمرّ تعالى عباده بالخضوع لمرجعيّة فاصلة عند النزاع وهو الكتاب والسنّة. فلا حلّ إلاّ بوضع مرجعيّة لفكّ النزاع وتقليصه قدر المستطاع وذلك على ضوء ما أودعه أئمّتنا في كتبهم ليخضع جميع المقرئين لها مهما كان قطره ومنزلته العلميّة، فكلّ ما ثبت بالنصّ والأداء المشهور عند القدامى ينبغي الخضوع له إذ هو عين المتابعة، فالخلف تبع للسلف ولا خير فيمن خالف سبيلهم وأهمل أقوالهم وعطّل طريقتهم في النظر والنقد. فكما أنّ المحدّث لا يستغني عن أساليب المحدّثين القدامى في نقد الأحاديث، وكما أنّ المجتهدين في الفقه لا يمكنهم الاستغناء عن القواعد الفقهيّة الأصوليّة ليُفتي في نازلة من النوازل، فكذلك المتخصّصين في التجويد والقراءات لا يمكنهم بأيّ حال الاستغناء عن صنيع المتقدّمين من أهل الأداء للفصل في أيّ مسألة. قال الداني عليه رحمة الله تعالى: "مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر" (جامع البيان ص172). والأثر يطلق على كلّ ما أثر وثبت عن القدامى إذ أتّباع الأثر هو المراد من قولهم: القراءة سنّة متّبعة يأخذها الآخر عن الأوّل، ولا شكّ أنّ مخالفة هذه الأثار والمناهج المعمول بها عندهم ينصدم تماماً مع هذه المتابعة.

ولكن للأسف، فقد جانبنا هذا الطريق وصارت الدراسات الأكادميّة الحديثة لا تسلك هذه المسلك القويم فاتّجهت الجهود إلى الشكليات من أساليب البحث والتحقيق والتوسّع فيها فكثر النقد فيها وقلّ فيما يتعلّق بالمضمون بالمقتضى. فإن لم يُقصد من هذه الدراسات حفظ الأداء الصحيح للحروف والقراءات التي وصلتنا، وإبعاد كلّ دخيل على الرواية الصحيحة الأصيلة فلا أدري ما الهدف من كلّ هذه الدراسات.

أكتفي بما قلت والحمد لله رب العالمين.

ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[14 Jul 2010, 01:35 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى:

وليجتهد فيه وفي تصحيحه ......... على الذي نُقل من صحيحه.

أقول: أمر الناظم عليه رحمة الله تعالى بالاجتهاد في تحصيل القرءان الكريم و في تصحيح أداءه على ضوء ما نُقل وصحّ نقله بالرواية المشهورة وذلك على أساس الشروط التي وضعها في الأبيات التالية وذلك في قوله:

فكلّ ما وافق وجه نحو ......... أو كان للرسم احتمالاً يحوي

وصحّ أسناداً هو القرءان ........ فهذه الثلاثة الأركان

وحيث ما يختلّ ركن أثبت ....... شذوذه لو أنّه في السبعة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير