فأعلى مراتب الرواية اشتهار الوجه أداءً ونصاً ثمّ تأتي المرتبة الثانية وهو اشتهار الوجه أداءً من غير نصّ مع قوّته في القياس. قال مكي القيسي: "والرواية إذا أتت بالنصّ في الكتب والقراءة كانت أقوى وأولى من رواية لم تُنقل في كتاب ولا صاحبها نصّ. وما نُقل بتلاوة ولم يؤيّده نصّ كتاب فالوهم والغلط ممكن ممن نقله إذ هو بشر" (رسالة تمكين المد في {آتى} و {ءامن} و {ءادم} لمكي القيسي.
أقول: وما ذكره الإمام مكي من أنّ الرواية إن لم يصاحبها نصّ فالوهم والغلط ممكن فهو صحيح إن لم يشتهر عند أهل الأداء وإلاّ فيمكن الاستغناء عن النصّ بشهرة الأداء. مثاله إدغام {قال رجلان} و {وقال رجل} لأبي عمرو فالنصّ لم يرد إلاّ في {قال ربّ}، {قال ربّنا} وشبهه ولكنّهم أجمعوا أداءً على إدغام {قال رجلان} و {وقال رجل} فألحقتا بالقاعدة وهو إدغام قال في الراء قياساً، فاجتمع في هذه المسألة الشهرة في الأداء والقوّة في القياس، وبهما استُغني عن النصّ مع التأكيد بأنّ الأداء المشهور الذي يصاحبه نصّ يبقى في أعلى مراتب الرواية. المثال الثاني: إمالة {البارئ} لأبي الحارث عن الكسائي حيث لم يرد النصّ إلاّ في {بارئكم} فأُلحقت {البارئ} بها لشهرتها في الأداء وقوّتها في القياس.
فشهرة الرواية بنوعيها تندرج ضمن شرط ابن الجزري في نشره وهو صحّة السند مع شهرة القراءة وبذلك يكون قد احتاط أشدّ الاحتياط لاستحالة تسرّب الخطأ على الرواية التي اشتهرت عند أهل الأداء وتلقّوها بالقبول عبر الأجيال جيلاً عن جيل. وهي بذلك تفيد القطع واليقين لقوله في منجد المقرئين: "والعدل الضابط إذا انفرد بشيء تحتمله العربية والرسم، واستفاض وتلقّيَ بالقبول قُطع به، وحصل به العلم، وهذا قاله أئمّة في الحديث المتلقّى بالقبول: أنّه يفيد القطع" (ص90). وقال أيضاً: "وإنّما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين:
- متواتر.
- وصحيح مستفاض، متلقّىً بالقبول، والقطع حاصل بهما. " (نفس المصدر ص91).
فإن أدركنا أنّ بهذه الشهرة يحصل القطع واليقين، فما بالنا لا ننتهج هذا الأسلوب في الفصل بين المسائل المختلف فيها الآن؟ أقول من السهل أن نعرض كلّ المسائل التي نختلف فيها على هذا الشرط وهو ثبوت الوجه بالأداء المشهور عند المتقدّمين. ولكننا للأسف قد خالفنا هذا المنهج القويم وتركنا الورع في أعزّ ما نملك، وصرنا نقلّد المشايخ في الأداء والله المستعان.
قد يقول القائل: ما الفرق بين النصّ والأداء إن كان كلاهما منقولاً في الكتب.
الجواب: إنّ المتقدّمين من طبقة الداني كانوا ينقلون الرواية بالأداء والنصّ، فيُسندون الرواية بالنصوص والأداء إلى متقدّميهم. فإن افتقر الأداء عندهم إلى نصّ بيّنوه وأوضحوه في كتبهم فكان الأداء مدوّنا عندهم، فصار ذاك الأداء المدوّن عندهم نصوصاً بالنسبة لنا.
لذا فكلّ وجه لم يذكره المتقدّمون في كتبهم لايمكن بأيّ حال أن يكون منصوصاً عليه ولا مشهوراً عندهم من جهة الأداء فلا ينبغي الاعتماد عليه البتّة.
يتابع إن شاء الله تعالى.
ـ[عبد الحكيم عبد الرازق]ــــــــ[17 Oct 2010, 12:31 م]ـ
السلام عليكم
شيخنا الحبيب
جلست أتأمل كلامكم منذ مدة ووجدتك تستدل بالنصوص علي الأداء العملي، والذي أراه التفرقة بين ثبوت وجه، وبين ثبوت الأداء.
والنصوص التي تأتي بها هي من قبيل الوجه وليس الأداء العملي مثلا قلت:
في منجد المقرئين: "والعدل الضابط إذا انفرد بشيء تحتمله العربية والرسم، واستفاض وتلقّيَ بالقبول قُطع به، وحصل به العلم، وهذا قاله أئمّة في الحديث المتلقّى بالقبول: أنّه يفيد القطع" (ص90).
وقال أيضاً: "وإنّما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين:
- متواتر.
- وصحيح مستفاض، متلقّىً بالقبول، والقطع حاصل بهما. " (نفس المصدر ص91).
فاحتمال الرسم والعربية لا دخل للنص الأدائي في ذلك، إذ المقصود به الكلمات القرآنية من غيب وخطاب ورفع ونصب وووو.
لكنهم في جانب الأداء الصوتي النصوص لا يجزم بها بدون المشافهة .. بمعني أنك تنظر هل هذا الأداء المنصوص موجود عند القراء حاليا أم لا.
وقولكم ((قال مكي القيسي: "والرواية إذا أتت بالنصّ في الكتب والقراءة كانت أقوى وأولى من رواية لم تُنقل في كتاب ولا صاحبها نصّ. وما نُقل بتلاوة ولم يؤيّده نصّ كتاب فالوهم والغلط ممكن ممن نقله إذ هو بشر" (رسالة تمكين المد في {آتى} و {ءامن} و {ءادم} لمكي القيسي.
أقول: وما ذكره الإمام مكي من أنّ الرواية إن لم يصاحبها نصّ فالوهم والغلط ممكن فهو صحيح إن لم يشتهر عند أهل الأداء وإلاّ فيمكن الاستغناء عن النصّ بشهرة الأداء.))
فقضية مكي يتحدث عن وجود مد للبدل من عدمه فهذا النوع يحتاج فيه للنص، لأن المد والقصر شئ يستطيع الذكي والغبي التمييز بينهما.
أما الهيئات أي كيفية أداء المد أن تفتح فاك ولاتغلقه وهكذا، ومثل هذه الأوصاف لا يمكن للنص أن يحدده، إنما يمكن للنص أن يقربه. هذا هوالمقصود.
وأخذ علماء الأصوات بهذه النصوص الأدائية وتطبيقها علي الواقع الموجود مثل قضية الطاء والقاف والجيم وغيرهما من الأحرف جعلهم ينحرفون عن طريق الصواب وحمل ذلك بعضهم علي تخطئة ما عليه القراء. هذا بخلاف من نادي بإعادة الصياغة في كتب التجويد بحجة أن ما فيها مخالفة لما عليه القدامي.
فهل تصدق مثلا: أن الطاء صوتها كانت صوت الضاد الحالية؟!!
ما الذي حملهم علي هذا؟ قول سيبويه (ولو الإطباق لصارت الطاء دالا) هذا نص أدائي يصف هيئة أدائية معينة لحرف الطاء، ثم توهموا بنطقهم الخاطئ أننا لو رققنا الضاد الحالية لنتج عن ذلك صوت الدال، إذن صوت الطاء القديمة صوت الضاد الآن، ومن ثم كثرت الطعونات في القراء.
فهل تقبل في مثل هذه الأداءات أن نعتمد علي النص مع ترك المشافهة؟؟
والله المستعان وعليه التكلان
والسلام عليكم
¥