ـ[أبو يوسف الكفراوي]ــــــــ[06 Mar 2010, 08:01 م]ـ
فليتسع صدر أستاذي لبعض الإشارات التي أنقلها عن أطروحتي، وإن أردتم التفصيل راسلتكم على الخاص:
أولاً: وفاة أبي عبد الله الأندرابي كانت في نيسابور، التي أقام بها سنين في يوم الخميس الحادي والعشرين من ربيع الأول سنة (470 هـ).
كما جاء في المنتخب من كتاب السياق، ومعجم الأدباء.
ثانياً: وقف البحث على أسماء هذه الكتب لأبي محمد العماني، صنفها، أو عقد العزم على تصنيفها:
1 - المرشد في الوقف، وهو أشهر كتبه، وبه اشتهر.
2 - الكتاب الأوسط، ولم أقف على من نقل عنه إلا عند علم واحد.
3 - المغني في الوقوف، ذكره في أول المرشد، وهو الكتاب الصغير الذي صنفه في هذا الفن.
4 - شرح فصيح ثعلب، نقل عنه ثلاثة من العلماء.
5 - كتاب المعاني.
6 - كتاب التفسير.
7 - كتاب الحدود، في النحو.
8 - كتاب الجامع الكبير، وقد ذكر أن هذه الكتب الأربعة ينوي تصنيفها.
ثالثاً: العلماء الذين صرحوا بالنقل عن المرشد لأبي محمد العماني كثيرون؛ منهم بعد الأندرابي:
أبو الربيع سليمان بن حارث الفَهْمي السرقسطي ثم الإسكندري المقرئ الصالح، تلميذ تلاميذ أبي عمرو الداني (ت 481 هـ)، وذلك في كتابه: " الإرشاد إلى معالم أصول قراءة نافع، من رواية ورش، من طريق يعقوب الأزرق ".
وبعد السجاوندي، والسخاوي: صاحب كتاب أدب الكاتب – كما تعرفونه جيداً، وزين الدين الزواوي، يليه الزركشي، ثم ابن الجزري، الذي ذكر أنه نزل مصر بعيد الخمسمائة، وقد أخطأ في ذلك، كما أخطأ في تحديد وفاة الأندرابي، وضرار بن صرد، وغيرهم.
رابعاً: أبو محمد العماني هو تلميذ أبي بكر أحمد بن محمد المروزي المقرئ (ت بعد 419 هـ)، وهو من تلاميذ أبي الفضل الخزاعي، وقد سمع عامة تصانيفه.
فأبو محمد العماني ينقل عن شيخ شيوخه أبي الفضل الخزاعي، ولعله روى تصانيفه عن شيخه.
رابعاً: رجحت أن وفاة أبي محمد العماني كانت نحو سنة (450 هـ)، ورحلاته دوما كانت ناحية المشرق، وليس ناحية المغرب؛ فنقل أبي عمرو الداني عنه أمر مستبعد، وإنما كان نقله عن أبي الفضل الخزاعي، وسأضع أمام فضيلتكم نصاً واحداً فقط من كتاب الإبانة:
يقول أبو الفضل الخزاعي: (( ... لأنه إذا وقف عليه لا يدري إلى أي شيء أضيف، وهذا النحو قد يسمى: وقف الضرورة؛ لانقطاع النفس، وينهى عنه القراء ويكرهونه، ويستحب لمن ينقطع نفسه على شيء من هذا أن يرجع إلى ما قبله، ولا يبلغ أن يوصف الواقف عليه باستحقاق إثم؛ لوقفه، أو نسبته إلى مكروه، إن لم يرجع، ما لم يعلم ما عليه في ذلك، غير أن الجهالة ظاهرة عليه. قال أبو الفضل: ويُرْجَى له أن لا يكون آثماً؛ لأنه يحكي كلام الله – ? -، والله - تعالى – قد أحكمه، والعلماء قد علموه، فلا يغير معناه بسوء وقف واقف ....... قال أبو الفضل: وأقبح من ذلك: الوقف على ما لا يجوز الابتداء بما بعده، لاستحالة المعنى بالفصل بينه وبين الذي قبله؛ نحو قوله:] لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [،] وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [، فمن انقطع نفسه عند قوله:] لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا [،] وَقَالَتِ الْيَهُودُ [توجَّبَ عليه الرجوعُ إلى ما قبله، فإن لم يفعل أثم، وكان ذلك من الخطأ العظيم، الذي لو تعمده لخرج من الملة؛ لإفراده من القرآن ما هو متعلق بما قبله، وكون إفراده افتراءً على الله – تعالى -. قال أبو الفضل: وأنكر الوقفَ على الأسماء التي تغير نعوتُها حقائقَها؛ نحو قوله:] فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّيْنَ [، لو وقف عليه واقف؛ لأن (المصلين) اسمٌ ممدوحٌ محمودٌ، إذا لم يأت بعده وصف يكون مذموماً، لا يلائمه] وَيْلٌ [، وإنما خرج من جملة المحمودين بنعته، وهو قوله - تعالى -:] الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [، وأقبحُ من ذلك: الوقف على المنفي الذي يأتي بعده حرف استثناء قبل اسم، فيكون دخول حرف النفي وحرف الاستثناء توكيداً؛ نحو قوله:] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [، لو وقف واقف قبل حرف الاستثناء من غير عارض أو علة لكان ذنباً عظيماً؛ لأن المنفيَّ في ذلك: كلُّ ما عُبدَ غيرَ الله، ولا يجوز وقفٌ دون حرف استثناء في الحقيقة؛ نحو قوله:] الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [، حتى يقول:] إِلا الْمُتَّقِينَ [، وقد رُوِيَتْ عن المتقدمين أخبارٌ بكل معاني ما ذكرناه. فاعلم)).
لو قارنتم ذلك بما ذكره أبو عمرو الداني في كتابه المكتفى صـ 148 - 153: ((باب ذكر تفسير الوقف القبيح))، لتبين لكم أن أبا عمرو الداني قد نقل كلامه ببعض تصرف، إلا أن يكونا قد نقلا عن مصدر واحد لم يصرحا باسمه، وهو أمر مستبعد، فأبو الفضل الخزاعي في كتابه الإبانة كان أميناً جداً، فلم ينقل نقلاً واحداً، إلا أحال إلى مصدره.
ولكن هذه العبارات المأثورة في الوقف – كما التجويد – لم تشتهر عن الخزاعي، وإنما اشتهرت عن الداني!
وهو ما يدعونا لإعادة النظر في المقولة المأثورة عن أبي الفضل الخزاعي: ((أدركت أهل مصر والمغرب على رواية أبي يعقوب - يعني: الأزرق -، لا يعرفون غيرها)).
ليترجح عندي: أن أبا عمرو الداني قد تتلمذ على أبي الفضل الخزاعي، أو على الأقل على كتبه، ولكنه تنكر لذلك، فلم يصرح بالنقل عنه، كما كان حال أبي جعفر النحاس مع أبي بكر الأنباري الذي نقل عنه في القطع، دون أن يصرح بذلك، وكحال كثير من كبار الباحثين وصغارهم اليوم.
غفر الله لنا ولهم.
¥