تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبعد أن سرد تلك الأوقاف، وأردفها بذلك النظم، قال: «ومن هذه النقول يتبين لك أيها القارىء الكريم أن هذه المواضع كلها، منها ما هو رأس آية، وهو القليل. ومنها ما ليس برأس آية وهو الكثير. فالذي هو رأس آية قوله تعالى: ?كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ? بالرعد. وقوله سبحانه: ?وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ? بغافر. وقوله عز شأنه: ?لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ?. وقوله جل وعلا: ?تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ? وهذان الموضعان بسورة القدر.

وقد قدمنا لك أن الوقف على رؤوس الآي سنة مطلقاً، فيكون ذكره هنا في هذه الأوقاف من باب التأكيد عليه عند من وصل رؤوس الآي المتعلقة بما بعدها في غير هذه المواضع، فليعلم ذلك. ولعل أحداً أن يقول: لقد تفاوتت مواضع هذه الأوقاف المذكورة في هذه النقول الثلاثة التي قدمنا. فهل يعتبر تفاوتها مدعاة إلى عدم التسليم ببعضها؟

والجواب عن ذلك ظاهر؛ فإن هذه النقول، وإن كان فيها تفاوت، لكنه ليس تفاوت التناقض والاضطراب، وإنما هو تفاوت الرواية والحفظ. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. فكل هذه النقول صحيحة، وسائر نقلتها عدول، وقد ذكر كل منهم ما انتهى إليه علمه بحسب التلقي والمشافهة عن شيوخه، وعليه فلا اختلاف. وهناك نقول أخرى غير هذه تركنا ذكرها هنا طلباً للاختصار والله تعالى أعلم» ().

فأنت ترى كيف صحح الشيخ المرصفي نسبة هذه الوقوف، وأيدها، وانتصر لها، بينما تجد في المقابل أن الشيخ الحصري شكك فيها، إذ إنه لما أوردها في كتابه، عقَّب عليها بقوله: «وسمي الوقف في هذه المواضع وقف السنة، ووقف جبريل، ووقف الاتباع، لأن الرسول ? كان يتحرى الوقف في هذه المواضع دائما. هكذا قالوا. ولكن، مع التنقيب البالغ، والبحث الفاحص في شتى الأسفار، ومختلف المراجع، من أمهات الكتب في علوم القرآن والتفسير والسنة والشمائل والآثار، لم أعثر على أثر صحيح أو ضعيف يدل على أن الوقف على جميع هذه المواضع أو بعضها من السنة العملية أو القولية، ولعلنا بعد هذا نظفر بما يبدد القلق ويريح الضمير» ().

وأحسب أن هذا مثالا جيدا لهذا السبب من أسباب الاختلاف؛ لأنه جمع سبعة عشر مثالا، فإذا استثنيت منها المواضع الأربعة التي تقدم أنها رؤوس آي، يبقى معك ثلاثة عشر موضعا يمكن أن يكون للاختلاف فيها مجال. فالذي يثبت نسبة ذلك إلى الجناب الشريف > لا إشكال عنده في جواز الوقف، والذي لا يثبته سيختلف نظره إليها، أو إلى بعضها، مثل: ?فحشر?، ومثل: ?قل صدق الله? الخ.

السبب الرابع: رسم المصحف

اعتبرت رسم المصحف سببا من أسباب الخلاف؛ لأن كثيرا من الكلمات في القرآن الكريم اختلفت المصاحف في رسمها بين الوصل والفصل ()، وذلك مثل: (أين ما) في قوله تعالى في النساء: ?أين ما تكونوا يدرككم الموت? و (أن لا) في قوله تعالى في الأنبياء: ?أن لا إله إلا أنت سبحانك?، ومن ما في قوله تعالى في المنافقون: ?مما رزقناكم? ونحو ذلك، فعلى تقدير أنها كتبت مفصولة يجوز الوقف اضطرارا أو اختبارا على الكلمة الأولى منها، وعلى تقدير أنها كتبت موصولة لا يجوز ذلك ().

السبب الخامس: السياق

لا يخفى أن السياق له دور كبير في بيان المعنى في القرآن الكريم؛ وهو أيضا له دور في اختلاف العلماء في الوقف والابتداء؛ إذ يمكن أن يكون مرجحا قويا لنوع من أنواع الوقف على نوع آخر. وخذ كمثال على ذلك قوله تعالى: ?ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه?، فقد وقع خلاف بين العلماء في نوع الوقف على قوله تعالى: ? ولقد همت به?.

قال الشيخ محمد محمد أبو شهبة: «والصحيح في تفسير قوله تعالى: ?وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّه? أن الكلام تم عند قوله تعالى: ?وَلَقَدْ هَمَّتْ بِه? وليس من شك في أن همها كان بقصد الفاحشة، ?وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ?. الكلام من قبيل التقديم والتأخير، والتقدير: ولولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، فقوله تعالى: ?وهم بها?، جواب "لولا" مقدم عليها ومعروف في العربية أن "لولا" حرف امتناع لوجود، أي: امتناع الجواب لوجود الشرط، فيكون الهم ممتنعا لوجود البرهان الذي ركزه الله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير