ولما ذكر العلامة الأشموني هذا زاد تفصيلا بذكره المذاهب الفقهية، فقال: «وحاصله: أنَّ الفاسق إما أن يجيء تائباً وأقيم عليه الحد وتاب، أولم يُحَدَّ ولم يَتُبْ، أو تابَ ولم يُحَدَّ، أوْ حُدَّ ولم يَتُبْ. فالأول تقبل شهادته مطلقاً؛ لأنَّه زال عنه اسم القذف، وزال ما ترتب عليه من رد الشهادة. والثاني والثالث لا تقبل مطلقاً. والرابع اختلف فيه مالك والشافعي وأصحاب الرأي؛ فمالك يقول بقبول شهادته في غير ما حُدَّ فيه بخصوصه، والشافعي يقول بقبول شهادته وإنْ فيما حد فيه؛ لأنَّ الحدود عنده كفاراتٌ للذنوب، وأصحاب الرأي يقولون: لا تقبل شهادة المحدود وإن تاب» ().
فهذا مثال واضح لتأثر الوقف والابتداء بالفقه، وقد ذكر الإمام الهذلي مثالين آخرين، فقال في معرض حديثه عن كتابه الجامع في الوقف والابتداء: «بينت فيه وقف الفقهاء، والصوفية، والمتكلمين، والقراء، وأهل المعاني؛ مثل قول الشافعي: ?فلا جناح? ويبتدئ: عليه أن يطوَّف بهما?، وقول من جعل العمرة غير الحج، كابن سيرين وغيره حين قرأ: ?وأتموا الحج والعمرةُ لله? ... » ().
والمثال الأول منهما ذكره أيضا العلامة العكبَري، فقال: «واختلفوا في تمام الكلام هنا؛ فقيل: تمام الكلام ?فلا جناح? ثم يبتدئ فيقول: ?عليه أن يطوف? لأن الطواف واجب. وعلى هذا، خبر لا محذوف؛ أي: لا جناح في الحج. والجيد أن يكون عليه في هذا الوجه خبرا وأن يطوف مبتدأ» ().
إلا أن المحقق ابن الجزري عد هذا الوقف مما يتعسفه المتعسفون، ويفضي إلى تمحل وتحريف للكلم عن مواضعه ().
خاتمة
هذا ما تيسر جمعه في هذا الموضوع، وهو موضوع بالغ الغاية في الأهمية، إلا أنه يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين؛ ليتم استقراء ما في القرآن الكريم من الأمثلة لكل سبب من تلك الأسباب المذكورة، وليتم البحث بدقة أكثر عما إذا كانت هناك أسباب أخرى لها أثر في الاختلاف في الوقف والابتداء.
وأكاد أجزم أن هناك أسبابا أخرى، لذا فإني أوصي من بلغه كلامي هذا من المتخصصين أن يواصلوا بحث هذا الموضوع، ويستفيدوا من الرسائل العلمية التي سجلت حديثا، وأفردت بعض الأسباب بالدراسة.
كما أوصيهم بالعناية بعلم الوقف والابتداء عموما؛ لأنه علم جليل، يخدم جانبا مهما من جوانب تفسير كتاب الله تعالى، ويساعد على التدبر والفهم لما يقرؤه القارئ.
كما أخص بالوصية من انتصب للإقراء، وأشد على يديه أن يمارس مع طلابه هذا العلم تطبيقا، ويمرنهم على اختيار أنسب الأماكن للوقف، وينكر عليهم الوقفات المستبشعة أو الضعيفة.
وبعد، فهذا جهد المقل القليل البضاعة، المتطفل على هذه الصناعة، فإن يكن من توفيق فمن الله المعين، وإن يكن من زلل فمن نفسي ومن الشيطان اللعين، وما توفيقي إلا بالله عليه أتوكل وبه أستعين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
ـ[أحمد النبوي]ــــــــ[05 Apr 2010, 06:58 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
بحث ماتع طيب، وفكرته جميلة.
شكر الله لكم، ونفع بما كتبتم.
ـ[كامل]ــــــــ[05 Apr 2010, 07:16 م]ـ
أخي الكريم محمد عمران أحييك على كتاباتكم العلمية , ومشاراكاتكم الندية , وبجدارة تستحق أن تلقب (الداني الصغير). ولي وجهة نظر وليس بعد رأي د/ خالد منصور تعقيب.
فأقول: يمكن اختزال أسباب اختلاف الوقف في الآتي:
1/ وقوف السنة (أي الوقف على رؤوس الآي).
2/ اللغة (وتحتها يندرج الإعراب , والبلاغة ,,,).
3/ المعنى وهو ركيزة في أسباب الاختلاف في الوقف والابتداء.
أما الرسم فهو مندرج تحت الوقوف الاختبارية. (والحديث عن الوقف الاختياري).
أماالاختلاف العقدي والفقهي فلا يعد سببا - في نظري -لأمرين:
1/ قلة المواضع.
2/عدم تعميم الخلاف المنبي عليها لاختلاف مشارب الناس منقدم مذهبية وعقدية. ودمتم سالمين,,, [/ SIZE]
ـ[ايت عمران]ــــــــ[05 Apr 2010, 08:29 م]ـ
الأستاذ أحمد:
السلام عليكم ورحمة الله، وشكرا لكم على تشجيعكم.
الأستاذ كامل:
حياكم الله، وأفخر أن أحمل ـ بحق ـ لقب الداني الصغير، لكني الآن لا أستحقه، فما أنا إلا (الطالب صغير).
أشكرك أيها الأستاذ الكريم على هذه المناقشة الطيبة، وأطمئنك بأن الدكتور محمد خالد منصور كان له الفضل في اقتراح عنوان الموضوع فقط، لذلك خذ راحتك في النقد فلن يلحق الدكتور منه شيء.
وغرضي من طرح الموضوع هنا ـ ولم أنشره في مكان آخر ـ هو الوصول إلى حصر نهائي لتلك الأسباب، وجمع لأكبر قدر ممكن من الأمثلة لها.
لذلك أرى في هذه المرحلة أن لا تختزل في ثلاث كما تفضلتم، وقد يكون ذلك بعد حصول ما ذكرته.
وما تفضلتم به من أن أمثلة الخلاف العقدي والفقهي قليلة فأنا معكم في ذلك، لكن لا بد أن ننتظر ما سيسفر عنه بحث الماجستير لزميلنا في الملتقى أبو صالح المدني، وعنوانه: "أثر الوقف والابتدا في تقرير مسائل العقيدة" وكان قد أعلن عنه هنا:
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=14616
جزاك الله خيرا، والمزيد المزيد من ملاحظاتكم.
¥