ثم شرع فضيتلتكم في إثبات أن العارض للسكون من أوجه الرواية وليست من أوجه الدراية .. وهذه هي النقطة التي سأحاول أن أثبت لفضيلتكم خلافه. والله المستعان.
شيخنا الحبيب: ما ذهب إليه العلامة الجوهري ـ رحمه الله ـ لم يكن سبقا، بل هذا ثابت عن الأئمة، ومن جملتهم العلامة ابن الجزري ـ رحمه الله ـ.
وفصل صاحب الإتحاف القاعدة تفصيلا جيدا حيث قال: وأما الأوجه فثلاثة الوقف على (العالمين) ونحوه وثلاثة البسملة بين السورتين لمن بسمل فلا تقل ثلاث قراآت ولا ثلاث روايات ولا ثلاث طرق بل ثلاثا أوجه وتقول للأزرق في نحو (آدم وأوتوا) ثلاث طرق والفرق بين الخلافين أن خلاف القراآت والروايات والطرق خلاف نص ورواية فلو أخل القارى ء بشيء منهم كان نقصا في الرواية وخلاف الأوجه ليس كذلك إذ هو على سبيل التخيير فبأي وجه أتى القارى ء أجزأ في تلك الرواية ولا يكون إخلالا بشيء منها فلا حاجة لجمعها في موضع واحد بلا داع .. )) ص 102
شيخنا الحبيب: انظر كيف طابق بين أوجه البسملة ـ في كونها وجه وليس اختيار قراءة ـ وبين العارض للسكون، وانظر إلي هذه العبارة الدقيقة في هذا الصدد: " إذ هو على سبيل التخيير فبأي وجه أتى القارئ أجزأ في تلك الرواية ولا يكون إخلالا بشيء منها "
أما الرواية أي خروج عنها يعتبر نقصا في الرواية إن لم كذبا في الرواية ولذا قال ابن الجزري: ... نفرق فيه بين مقام الرواية وغيرها، فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية فإنه لا يجوز أيضاً من حيث إنه كذب في الرواية وتخليط على أهل الدراية، وإن لم يكن على سبيل النقل بل على سبيل القراءة والتلاوة فإنه جائز صحيح ومقبول .. ))
وقال ابن الجزري: (ثالثها): إن هذه الأوجه (يقصد الأوجه بين السور) ونحوها الواردة على سبيل التخيير إنما المقصود بها معرفة جواز القراءة بكل منها على وجه الإباحة لا على وجه ذكر الخلف فبأي وجه قرئ منها .. ).
فالأوجه التي بين السور عبر عنها ابن الجزري بأنها علي سبيل الإباحة لا على وجه ذكر الخلف .. وأعتقد أنكم تتفقون معي بأن أوجه ما بين السور علي الإباحة.
ثم ألحق العلامة ابن الجزري بعض الأوجه بأوجه البسملة ـ أي هي في حكمها ـ فقال بعدها مباشرة: (( ... وكذلك سبيل ما جرى مجرى ذلك من الوقف بالسكون وبالروم والاشمام. وكالأوجه الثلاثة في التقاء الساكنين وقفاً إذا كان أحدهما حرف مد أو لين .. )).
ولاحظ لقوله (وكالأوجه الثلاثة في التقاء الساكنين) أي هي من أوجه الإباحة وهذا أصل العارض للسكون.
وقال ابن الجزري ـ رحمه الله ـ وهو يتحدث عن العارض للسكون: (قلت) الصحيح جواز كل من الثلاثة لجميع القراء لعموم قاعدة الاعتداد بالعارض وعدمه عن الجميع)) ا. هـ
انظر شيخنا الفاضل كيف ربط المسألة بالاعتداد بالعارض وعدم الاعتداد بالعارض، فالخيار في المسألة للقارئ.
وقال ابن الجزري أيضا: الثاني: ..... فلو وقف القارئ لأبي عمرو مثلا على (السماء) بالسكون فإن لم يعتد بالعارض كان مثله في حالة الوصل ويكون كمن وقف له على (الكتاب، والحساب) بالقصر حالة السكون وإن اعتد بالعارض زيد في ذلك إلى الإشباع ويكون كمن وقف بزيادة المد في الكتاب والحساب، ... والله أعلم.)) ا. هـ
انظر سيدي الفاضل كيف ربط المسألة بقوله (فإن لم يعتد بالعارض) وبقوله (وإن اعتد بالعارض) والسبب: لأنه من أوجه الدراية وهو ما تقدم من قول ابن الجزري (وكالأوجه الثلاثة في التقاء الساكنين وقفاً)، فهذا يرجع إلي اختيار القارئ لا إلي وجه رواية أو طريق كما سبق في قول العلامة النبا ـ رحمه الله ـ
وأيضا ذكر ابن الجزري في (قواعد مهمة في المد):
(الرابعة) يجوز المد وعدمه لعروض السبب ويقوى بحسب قوته ويضعف بحسب ضعفه فالمد في نحو: نستعين، ويؤمنون وقفاً عند من اعتد بسكونه أقوى منه في نحو (إيذن. وأوتمن) ابتداء عند من اعتد بهمزة لضعف سبب تقدم الهمز عن سكون الوقف ولذلك كان الأصح إجراء الثلاثة في الأول دون الثاني كما تقدم ومن ثم جرت الثلاثة في الوقف على (إيت) حالة الابتداء لقوة سبب السكون على سبب الهمز المتقدم والله أعلم.)) ا. هـ
وقوله ((ولذلك كان الأصح إجراء الثلاثة في الأول) أي العارض للسكون كما مثل بـ (نستعين، ويؤمنون) فأجاز الثلاثة دون تقييد.
¥