أن الشيخ عبد الرازق قد نص هنا على أن المقرئين عموما مجمعون على أن عباد ليس فيها للسوسي من طريق الشاطبية إلا الإثبات وصلا والتخيير في حذفها وإثباتها ساكنة وقفا، ثم نص خصوصا على أن المتولي في الروض يقول بذلك. والواقع أن المتولي في الروض قد حرر حذفها وصلا ووقفا كما ذهب إليه عبد الفتاح القاضي، كما يقول المتولي (الروض النضير في أوجه الكتاب المنير: 395 - 396): "ففي قوله تعالى: فبشر عباد الذين إلى قوله: في النار: أحد عشر وجها، الأول والثاني والثالث: الإثبات في الحالين مع القصر والإمالة من التيسير والشاطبية ( .. ) الحذف وقفا فقط مع القصر والإمالة من التيسير ( .. ) الحذف في الحالين مع القصر والإمالة ( .. ) وهو الذي ينبغي أن يكون في التيسير"، وقد سبق ابنُ الجزري المتولي إلى تحرير هذه المسألة، فقال (النشر: 2/ 189): "وأما فبشر عباد الذين فاختص السوسي بإثبات الياء وفتحها وصلاً بخلاف عنه في ذلك فقطع له بالفتح والإثبات حالة الوصل صاحب التيسير ومن تبعه وبه قرأ على فارس أحمد من طريق محمد بن إسماعيل القرشي لا من طريق ابن جرير كما نص عليه في المفردات فهو في ذلك خارج عن طريق التيسير".
وقال (النشر: 2/ 190): "وذهب الباقون عن السوسي إلى حذف الياء وصلا ووقفاً ( .. ) وبه قرأ الداني على أبي الحسن بن غلبون في رواية السوسي وعلى أبي الفتح من غير طريق القرشي وهو الذي ينبغي أن يكون في التيسير كما قدمنا".
فكيف يقول بعد ذلك أبرز المدافعين عن التحريرات: "وهذا إجماع من القراء الذين شرحوا الشاطبية والمحررين الذين حرروها من الأخطاء ( .. ) وعمل بكلام القاضي الذي لم يستند إلى دليل ولا أصل له"!!
7 - حجية الإجماع في القراءات:
يقول الشيخ عبد الرازق (الفوائد التجويدية في شرح المقدمة الجزرية: 74):
"وليس مع المخالفين [في مسألة ونذر] دليل غير قول المتولي السابق الذي لم يعمل به أحد والذي ذكره في فتح المعطي بدون روية أو بحث علمي أو الرجوع إلى النشر، ( .. ) فنظروا إلى الشهرة ولم ينظروا إلى أن مخالفة الإجماع عمل حرمه الله ونهى عن الخروج عنه".
ويقول (الفوائد التجويدية في شرح المقدمة الجزرية: 74 - 75):
"والذين ألزموا أنفسهم بترقيق الراء في ونذر هم أنفسهم الذين أنكروا رواية السكت عن إدريس من طريق المطوعي من الدرة في كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بدون دليل أيضا غير التحكم والعناد مخالفين بذلك شيوخهم وشيوخ شيوخهم كالمتولي والضباع الذين أثبتا صحة هذه الرواية مستدلين على ذلك بأدلة قطعية لم يستطع أحد في الدنيا حتى اليوم أن يخطئهما في ما أثبتاه ( .. )، فعلى الأقل لا بد أن يعرف الطالب المتلقي أن هذا السكت جائز وليس ممنوعا كما فعل هؤلاء".
ويقول: (تأملات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة: 46 - 47):
"قال ابن الجزري في الدرة:
.......................... .. ووصل فاجمعوا افتح طوى ..
ومعناه أن ابن الجزري أمر بقراءة فأجمعوا بهمزة وصل مع فتح الميم لمرموز طوى وهو رويس، وكل العلماء الذين شرحوا الدرة خصوصا القدامى منهم فسروا النظم على ظاهره على ما أراده مؤلفه دون تحقيق لطرق الرواية الصحيحة حتى جاء العلامة المتولي في الوجوه المسفرة وكذلك العلامة الشيخ علي الضباع في شرحه على الدرة، فقد ذكرا أن هذه القراءة ليست من طريق الدرة والتحبير ووافقهما جميع القراء في وقتهما إلى اليوم، وعملوا بالصواب ولم يقرؤوا بها من طريق الدرة وأهملوا نص ابن الجزري في الدرة لأنه مخالف لما جاء في التحبير. ويستفاد من هذه المسألة الأمور التالية:
1 - أهمية التحرير والتحقيق لإثبات القراءة التي ذكرت في النشر وغيره من طريقها الصحيح.
2 - عدم التمسك بقراءة الشيخ المقرئ إذا ثبت عدم صحتها وهذا ما فعله القراء في عصر الضباع والمتولي في هذه المسألة وغيرها إلى اليوم.
3 - لا يجوز التمسك بظاهر نظم الدرة أو غيرها إذا ثبت بالتحقيق العلمي أن فيه نظرا كما ثبت في هذه المسألة وغيرها كما سبق في نظم الشاطبي.
¥