تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويكونُ لنصِّ القرآنِ الكريمِ الذي يرويه الطالبُ عن شيخِهِ عن مشايخِهِ بأسانيدهم المتصلة إلى رب العزة جل وعلا، فقيضَ الله بهذا الضبط من يَحَفَظُ نص القرآن الكريم أن يلحقه تحريفٌ أو تغيير بنقصٍ أو زيادة. وقد كان السلف قديماً على حال من العُلُوِّ في هِمَمِ الطَّلَبِ والتحصيلِ والدَّرْسِ، فكانوا لا يُقرِئون إلا مَنْ حَفِظَ القرآن الكريم عن ظهرِ قلبٍ، واستظهره بلا خلطٍ ولا تعتعةِ حفظٍ، ولم يزل غالبُ المشايخِ اليومَ يشترطُونَ قوةَ الحفظِ فيمن يُجيزُونَهُمْ، وتلكَ عَزِيمةٌ نُبقي بها على حالِ السلفِ الصالحِ من القرونِ المفضلات. ثم دَرَجَ في عصرنا من لا يشترط الحفظ فيمن يُجيزهم، فيقرأ الطالبُ عليهم من المصحفِ الشريفِ، ويستوثقُ الشيخُ من ضبطِ العلمِ والفهمِ، ويجيزه على ما قرأه من المصحف. وبعض أهل العلم يعطي الطالبَ غيرَ الحافظِ شهادةً لا إجازة، فهم يشترطون الحفظ للإجازة (أخبرني الشيخ عادل بن سالم الكلباني بذلك عن تلميذ للشيخ سعيد بن عبد الله الحسي الحموي عليه رحمة الله، أنَّ هذا كان فعله مع غير الحفاظ، أي إعطاءهم "شهادة")، وبعضهم لا يراها شيئاً ألبتة، بل ويراها على غير طريقة السلف.

لكنَّ واقع الحال قد غلب عليه الضعفُ، وسَرَتِ الإجازة لغير الحفظة بين الناس، فمن الحقِّ أن يكون لها ضبطٌ وحدودٌ ما دامت واقعاً، فقد عاينتُ بعضَ إجازاتِ المشايخِ المجيزينَ لغيرِ الحفظةِ فوجدتُّها لا تشيرُ إلى قراءة الطالبِ من مصحفه، وأحسبُ أن الأجدرَ ذكرُ ذلك، فإنها حين تكون مطلقةً ينصرفُ الذهنُ إلى أنها من الحفظ. وعكسُ ذلك أيضاً أن بعض المشايخ يُغفِلُ أن يَذكُرَ سماعهُ من الطالب عن ظهرِ قلبٍ، فلربما ظن من يقرأُ إجازته أنه قرأها على شيخه من المصحف الشريف. والأحرى - والله أعلم - بعد أن ظهر من يُقرئ ويُجيزُ بالقراءة من المصحف أن يكون نصُّ الإجازة على وَجْهٍ أَدَقَّ مما كانت عليه سابقاً، فإنها شهادةٌ والشهادةُ أمانةٌ.

والغايةُ في مسألةِ الحفظِ من عدمه: أن الأمر متروكٌ لتقدير الشيخِ المُقرِئِ، فلربما وَجَدَ مِنْ أهلِ العلمِ والفقهِ والدعوةِ من يصححُ للناسِ قراءتهم، أو يَؤُمُّهُم في الصلوات، وهوَ غيرُ مستظهرٍ لكتاب الله، لكن لديه من العلم ما يصحُّ أن يُشهد له به، ليستكمل الروايةَ بعد الدرايةِ، فيقرِئُهُ ثم يعطيه شهادة بإجادة القرآن الكريم إن كان غير حافظ، وهو الأولى أن تكتبَ له شهادة لا إجازة.

ولربما وَجَدَ من يحفظ لكن يَشُوبُ حفظَهُ وَهَنٌ وضعفٌ، فإن أََمِّلَ فيه خيراً أجازه.

ولربما أخذ الشيخ بالعزيمة في إقرائه فلم يُجِزْ إلا الحافظَ المتقن المدقق، ورأيتُ من بعض أهل العلم من المشايخ المقرِئين من يشترطُ إتمامَ ختمةِ الإجازةِ في شهرٍ أو أقل (منهم شيخ مشايخنا الشيخ محمد عبدالحميد أحمد أبو رواش، حدثني شيخنا الشيخ عادل الكلباني حفظه الله أنه قرأ عليه من أول سورة مريم إلى آخر سورة العنكبوت في يوم واحد ضمن ختمته بقصر المنفصل)، فإنَّ الطالبَ الذي يَقدِرُ على مراجعةِ جزءٍ يومياً تتابعاً بحيثُ يتلوه متقناً يكادُ يُعدَّ في الحُفَّاظِ. ولربما أخذ بعض المشايخ بالمذهب الأول مع بعض طلابه، وبالثاني مع بعضهم؛ كلٌّ حسب حاله.

لكنَّ أعلى ما رأيتُ من ذلكَ ملازمَةُ الطالبِ شيخهُ يقرأُ عليهِ مِنْ حفظِهِ خَتمَاتٍ عدداً، حتى يأنسَ منه الشيخُ إتقاناً وتحبيراً فيجيزُهُ، وإنما أقلُّ ما تحصلُ به الإجازةُ ما يفعلُهُ أهلُ عصرنا بعد أن فَتَرَتِ الهممُ: أن يُعرَضَ القرآنُ الكريمُ كاملاً عَرْضَةً واحدةً مضبوطةً، حتى يقالَ: قرأتُ عليه أو سمعتُ منه القرآن الكريم كله من أوله إلى آخره، والله أعلم.

يتبع في المشاركة التالية.

ـ[محمد العواضي]ــــــــ[05 May 2010, 05:59 م]ـ

جزاك الله خيرا وبارك في هذه الفوائد

ـ[أحمد النبوي]ــــــــ[05 May 2010, 05:59 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير