تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد شاع أن يبدأ طالبٌ غير مجيدٍ للقراءةٍ - أحكاماً وضبطاً - في ختمةٍ غَرَضُهَا الإجازةُ من شيخِهِ، فتكونُ المُحَصِّلَةُ أنَّ الأجزاء الأولى من ختمته تكون معروضة على الشيخ على غيرِ وجهِ الإتقانِ، إذ لم تكن المخارج والأحكام قد انضبطت بعدُ حتى ينسابَ بها لسانُ القارئِ دونَ لحنٍ، فإذا قدَّر الشيخُ أنَّ الطالبَ قد ترك اللحنَ في آخرِ وأغلبِ ختمته، وغلبَ على ظنه أنه تَشَبَّعَ حتى إذا أعاد من أول المصحف لم يزدد ضبطاً، فلا بأس أن يجيزه دون إعادةٍ، إن كانَ يوقفهُ على اللحنِ حتى يُصَحِّحَهُ ويَضْبِطَهُ، ولم يتجاوزْ لَحْنَاً دونَ تصويبٍ، وعليه فقراءته من أولِ المصحفِ إلى آخره مضبوطةٌ، وإن كان الأَولى أن يعيد من أول الختمة ما يغلِبُ على ظنه به أنه سمع الختمة بكاملها مضبوطةً دون تصويبٍ منه.

أما إن لَحِقَ أولَ الختمةِ لحنٌ جليٌ مِنْ تركِ حروفٍ أو تغييرِ كلماتٍ أو ما شابهه؛ ولم يتخلصِ القارئُ من لحنهِ إلا وسطَ ختمته، بأن كان لفظه ونطقه على وجهٍ خاطئ في أول ختمته، ولم يتمكن من تقليد شيخه ليتخلص من اللحن حال العرضِ، فلابد من إعادة أولِ الختمةِ على وجهِ الضبطِ والاستيثاقِ لما كان فيه اللحن.

وهذا الأمر قد لا يكونُ ظاهراً بشكلٍ كبيرٍ لأن مشايخَ الإقراءِ الكبارِ لا يُقرئون غالباً إلا من أجادَ، وعادة ما يتنقل الطالب في مراقي الطلب حتى يقف على أبوابِ مشايخِ الإقراءِ الكبارِ وهو مجيدٌ، ويكونُ غايةُ عملِهِم معهُ ضبطُ دقيقِ اللحنِ ومراجعةُ الأحكامِ أداءً، مع تبركِ الطالبِ بعلو أسانيدهم على الوجهين: علو الحال والعدد، وبهذه الغَرْبَلَةِ للطلابِ حُفِظَتْ الأسانيدُ العاليةُ نقيةً مِنْ ضَعِيْفِيْ الأدَاءِ أوِ المُتَعْتِعِيْن.


وهناك ضبط الأداء بأن يكون الطالب قادراً على الإتيان بالحروف صحيحة المَخْرَجِ والمَلفَظِ، مضبوطةَ الميزانِ، وأن يُتقِنَ مقاديرَ الغننِ والمدودِ، ويأتي بالرومِ والإشمامِ والإمالاتِ الصغرى والكبرى والاختلاسِ والقفلاتِ وغيرِ ذلكَ على مثالِ ما قرأَ شيخُهُ على مشايخِهِ، لايَخْرِمُ من ذلك شيئاً إلا أن يكون في مخارج الطالب عيبٌ خِلقِيٌّ كلُثْغَةٍ، فينبغي حالئذٍ أن يكون قادراً على التفريق بين الحروف سماعاً، حتى يتمكن من تعليم غيره، وقال بعض مشايخنا في مثل هذا: يجاز بالقراءة فقط ولا يجاز بالإقراء، قلتُ: ظاهر الأمر أن يجاز بالقراءة والإقراء، وإجازته بالإقراء فقط أولى من إجازته بالقراءة فقط، فإن عيب النطق إنما يلحق القراءة والتلاوة، لكن يَعْرِضُ لذلك أنه لن يتمكن من تصويب لحون تلميذه، فكيف يجاز بالإقراء؟ قلتُ: المصارف والمخارج كثيرة، أبسطها أن يستعين بغيره من المشايخ، وهو في منتهى الأمر لن يجيزَ باللحونِ لعلمه بها، والله أعلم.

أما خلطُ الحروفِ بتأثيرِ اللهجةِ العامِيَة كأهل مصر إذ يخلطون السينَ بالثاء، أو الجيمَ المُعَطَّشَةَ العربيةَ بالجيمِ الفارسيةِ (أو المِصْرِيَّةِ) غيرِ المعطشة، أو كالسودانِ إذ يستبدلونَ الغينَ بالقافِ، أو أهل نجدٍ إذ يستبدلونَ بالضادِ ظاءً، وما كانَ على شاكلةِ ذلك من الخلطِ: فمما لا تصحُّ الإجازةُ به بحالٍ، وينبغي للشيخِ أن يستوثق تمام الاستيثاق من زوالِ هذه اللحونِ من لسانِ من يُجيزُه.

أما القراءُ من أعاجمِ المسلمينَ الذين لا يقدرون على إقامةِ الحروفِ العربيةِ على وجهِ الدِّقةِ كما ينطقُ بها العربُ الخُلَّصُ: فإنَّ من لحونهم ما لا يُتجاوزُ عند الإجازة كما لو كَثُرَت حتى يضيعَ المبنى، ومنها ما يُتجوَّزُ فيه كما يُتَجَوَّزُ في لُكْنَةِ بعضِ العربِ التي تُضَيِّعُ النبرات الصحيحة بسبب لهجاتهم المحلية، وهذا مما يُحكم عليه حسب واقعه، والله أعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير