تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما يلزمُ التأكدُ من إتقان لفظِ الكلمات المُشْكِلَة على الطلابِ في رسمها، وإعرابِ أواخر الآيات لأن الطالب غالباً ما يحفظها بالسكون حِيْدَةً عن ضبطها بسبب الوقف على رأس الآية (كما في قوله تعالى "ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فعال لما يريد" (البروج 15، 16) فقد يقرؤها الطالب في رواية حفص: المجيدِ بكسر الدال صفة لـ"العرش")، وغالبُ ذلكَ لا يُعرفُ إلا سماعاً.


ومن اللطائفِ التي ذَهَلَ عنها كثيرونَ على أهميتها: فنُّ القَفْلَةِ عند الوقفِ، فإن قَفْلَةَ الاستفهامِ تختلفُ عن قَفْلَةِ الإخبارِ، وقَفْلَةُ انتهاء الكلامِ غيرُ قَفْلَةِ الوقفِ الحسنِ الذي لم يتمَّ عنده المعنى. ولبعض مشايخنا عند نطقِ مثلِ قولِهِ تعالى "أَوَلَمْ، أَفَلَمْ، أوَلا، أَفَلا، أفبنعمة الله، أفبالباطل يؤمنون" اتكاءاتٌ لطيفةٌ تُبَيِّنُ الاستفهامَ وتُظْهِرُهُ، تُعرفُ كيفيتُها بالتلقي والمشافهة.

ومما ينبغي كذلك ضبطُ قواعدِ الوقفِ والابتداءِ الكليةِ ومواضعه الدقيقة، والمعاني المتولدة منهما: وهي وإن كانت ضمنَ أبوابِ التجويدِ، إلا أنها فنٌ رقيقٌ قلَّ مَنْ يُحسنهُ، وكثيراً ما يُكَدِّرُ السَّمْعَ وقوفٌ مخزيةٌ لبعضِ القراء، أَرْبَأُ بطالبِ علمٍ مجازٍ بالقرآن الكريم أن يَقِفَهَا. والمصنَّفَاتُ في هذا الباب كثيرةٌ، ومن لم يُوفق لمطالعتها، فليسَ أقلَّ من أن يلزَمَ وقوفَ مصحفٍ شريفٍ اعتَمَدَتْ وقوفَهُ لجنةٌ شرعيةٌ، كمصحفِ الأزهرِ أو مصحفِ مُجَمَّعِ الملكِ فهدٍ بالمدينةِ النبويةِ الشريفةِ على ساكنها أفضلُ الصلاةِ وأزكى السلام.

وقد نص غير واحد من أعلام الأمة على أن الإسناد من الدين، وأن طلب العلو فيه من مطالب الشريعة، وعليه فمن أعظم ما تُنْدَبُ وتُسْتَنْفَرُ له همةُ طالبِ العلمِ: الرحلةُ والسفرُ طلباً للإجازات من ذوي الأسانيد العوالي، وذلك أنَّ صحبةَ وخدمةَ العلماء المقرئين العاملين تأدبٌ وحالٌ وخلقٌ قبل أن تكون علماً وسنداً، والرحلة والمجاورة للعلماء من أعلى العلاء في الهمة. وقد كان بعض مشايخنا يوصي من ختم عليه أن يرحل إلى مشايخه طلباً لعلو السند، وهو أدبٌ عالٍ منهم، وحب لذيوع للخير ونشره.

لكنَّ الذي يجمع الأسانيد لعلومٍ لا صلة له بها، أو من يجمع أسانيد علومٍ لا يتقنها من باب الجمع فقط فذلك ملومٌ بلا شك، لكن أحياناً يضطر المرء إلى أن يلحقَ ببعض المشايخ المُعَمَّرِينَ فيستجيزهم طلباً لعلو السند وعلو الحال، فمما ينبغي عليه حالئذ أن يستكمل أدوات هذا العلم، فإنه لا يليق أن يرويَ عن الكبارِ ويدعي التَّلْمَذَةَ عليهم دونَ أن يرثَ علمهُم أو أصول علمِهِم، فادعاءُ التلمذةِ حينئذ حق أريد به باطل، فالتلمذة قد تكون ساعة أو يوماً، لكن التاريخ لا يرحم هؤلاء وما يلبثون حتى تغيض أصواتهم وتفنى مقالاتهم، وقد يُفْتِيْ أحدُهم في مسألةٍ منْ مسائلِ العلمِ بخطأٍ قد يُروى عن شيخه خلافه ونقيضه تماماً وهو لا يدري، حتى أنَّ بعض المشايخ يكون قد نص على رأيه في مسألةٍ من مسائل العلم في بعض ما ألَّف كتابةً، ويُفتي مدعي التلمذةِ عليهِ بخلافها جهلاً منه بما قال شيخه لا مخالفة له، وهؤلاء من أعظم البلاوَى على العلم وأهله، عياذا بالله.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير