فهذه زيادة بسيطة مستلةٌ ومعدلةٌ من مداخلة كتبتها على الرابط التالي:
http://www.mazameer.com/vb/showpost.php?p=670734&postcount=15 (http://www.mazameer.com/vb/showpost.php?p=670734&postcount=15)
مقدمة (1):
مع كثرة الغثاء والتخليط وضعف الهمم والنفوس في زماننا: ظهر التساهل وظهرت الحيل في التلقي وكثر التدليس والوهم وضاع كثير من العلم، لكن:
يأبى الله إلا أن يتم نعمته ويحفظ كتابه، وهكذا تبقى كوكبة من أهل العلم قائمين بحق كتاب الله لا يضرهم وهنٌ ولا ضعف، يأخذون بالعزيمة حين يتراخى الناس، ويَتَسَربَلُونَ البيانَ والإفصاحَ حين يُدَلِّسُ الناسُ، حَقٌ على كل طالبٍ علمٍ أن ينتخبهم ويختارهم ويأخذ عنهم كما ينتخب زوجه وأقلَّ من ذلك: طعامه وبيته، من فاتُوهُ فاتَهُ أدبُ العلم، وهم علامةٌ على المَفَارِقِ يدلونَ الناسَ على أقومِ الطرائقِ وأهدى السبل.
مقدمة (2):
يُندبُ لطالب العلم أن يَرُوْمَ الأعلى والأطيب في طلبه، فينتخبُ مشايخه وينتقيهم، ولهذا الانتخاب معايير، وهي صالحةٌ لأن يَزِنَ بها طالبُ العلمِ نفسه كذلك:
فأعلى ما يقع في القراءة والإقراء: أن يلازم الطالب شيخه ليسمع من شيخِهِ بتلاوته، ويسمعُ الشيخُ من تلميذِهِ ختماتٍ عدداً، حتى يأنس منه الضبط والإتقانَ، ثم يجيزه الشيخ.
فهذا سماع وإسماع وملازمةٌ ثم إجازة.
ثم أقل منه: من يقرأ على شيخه ختمة كاملةً أو ختماتٍ ولم يسمع من شيخه مثل الأول، ثم إذا أنِسَ منه الشيخُ الإتقان أجازه.
وهذا عرضٌ على الشيخِ ثم إجازة منه.
ثم أقل منه: من يقرأ على شيخه بعض ختمةٍ يأنس منه فيها الشيخ إتقاناً، والطالب قد أجيز من شيخٍ معتبرٍ عند الشيخ الحالي، فيجيزه الشيخ الحاليُّ بالقرآن كله باعتبار إتقانه لما لم يقرأ على شاكلة ما قرأ!
فهذا بعضُ عرضٍ، ثم إجازةٌ على إجازةِ الثقة!
ثم أقل منه: من قرأ بعض ختمةٍ ولم يُجز من قبلُ، ويجيزه الشيخ إجازةً عامة على اعتبار إتقانه لما لم يقرأ: وأنه بإتقان ما قرأ!
وهذا بعضُ عرضٍ، ثم إجازةٌ به وحده!
وثمة أمور تقل بها درجة الطالب في عرضه على شيخه، وبيانها كما يلي:
(1)
أن يقرأ من مصحفه لا من حفظ صدره:
حتى وإن كان حافظاً، فهو حين القراءة من المصحف أقل ممن قرأ من حفظ صدره.
ومثل ذلك من قرأ الجمع من حفظ صدره مع استحضار الخلاف من كراسه أو كتابٍ يقرأ منه، فهذ ليس بقوة من قرأ من حفظ صدره مع الضبط من غير معينٍ خارجي.
(2)
أن يقرأ على شيخه دون مباشرة حقيقية:
كمن يقرأُ عبر وسائط الاتصال الحديثة، فليست قراءته كمن كان كِفَاحاً.
ولا يُعتَدُّ بقولهم: إنَّه مثلُ قراءة الطالب على شيخه؛ وأحدهما أو كلاهما ضرير، أو كقراءة المرأة على الشيخ وقد سترت وجهها أو من وراء حجاب، فإن الحال التي يكون عليها الشيخُ والأدب الذي يتخلق به مما يتلقاه الطالب، وربما ألجأت كلفة الاتصال أو عدم صفاء الصوت في نقله إلى التجاوز ولو عن اللحون البسيطة، ومُجردُ تطرقِ الاحتمال إلى ذلك مما يُضعِفُ مرتبتهُ عن غيره، فتأمل.
(3)
أن يقرأ الطالب على شيخه أوان ضيق خلقه ووهن طبعه:
وغالب ذلك إنما يحصل في أواخِرِ العُمُرِ أيان الشيخوخة، وله حالاتٌ:
أضعفها: أن يروي عن الشيخ بعد أن ثبت تخليطه وخرفه، وهو أمرٌ قد لا يعرف بسهولة، لكن أهل العلم لهم إلى معرفته سبيلٌ وعلاماتٌ، والتخليطُ والوهمُ مما لا تصح معه الرواية، فمن ثبتت قراءته على من خلَّط ولو كان أعلى أهل الأرض سنداً، فتسقط روايته من طريقه هذا.
وأقوى منها روايةً: أن يقرأ على الشيخ حال ضعف جسمه وقلة احتماله للتدريس، فهو حينها مَظِنَّةُ أن يَثْقُلَ سمعه، أو يتساهلَ في الإجازةِ وتصويبِ اللحونِ لضعفِ احتماله لا لقلةِ درايته، وأفضل ما يَجُبُّ ذلك أن يكون بحضرة أحد أقران الشيخِ، أو قدامى تلاميذ الشيخ، ليرد الطالب عن الخطأ إن وقع!
وهذه الجزئية تعني أن أعلى تلاميذ الشيخ (إذا نَحَّيْنَا بقية عوامل الطلب كنجابة الطالب وقوة حفظه واستيعابه ... ) هم من أخذوا عنه بعد استقرار علمه حال شبابه إلى كهولته، وهم في العموم (إذا نَحَّيْنَا بقية العوامل أيضاً) أقوى ممن أخذ عنه في أواخر عطائه وتدريسه.
وصلى الله على الحبيب البشير النذير وسَلَّمَ تسليماً،
والحمد لله رب العالمين.
¥