تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبالنظر والتأمل الثاقب في هذه الأسماء جميعاً نجد أنه يجمعها غرض واحد هو وصف الله بالكمال المطلق الموجب للتوجه إليه بالعبادة والسؤال، وهذا الغرض دال على جميع الأسماء، فإن هذا هو سر كونها جمعت مقاصد القرآن كله إذ أن جميعه راجع إلى تحقيق العبودية لله.

ثانياً: أنه إذا كانت الأسماء المتعددة في السورة مروية عن السلف، فإنها قد تكون دالة على الغرض من جهة، أو تكون دالة على لفظ أو معنى وارد في السورة.

فمثلاً سورة الفاتحة وورد عن السلف والمفسرين في تسميتها غير ماثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أسماء منها (الرقية، والشفاء والشافية، والأساس، والوافية، الكافية، والكنز،والشكر، الثناء، التفويض، الدعاء، النور، تعليم المسألة، السؤال) ([14]).

وهذه الأسماء إما أنها مستدل بها من وصف النبي صلى الله عليه وسلم لها، أو أنها مأخوذة من المعاني التي تدل عليها السورة وهي دالة على الغرض.

وحين نتأمل في هذه الأسماء نجدها كلها راجعة إلى مضمونها وغرضها وهو إثبات الحمد لله الذي هو الإحاطة بصفات الكمال، والشكر الذي هو تعظيم المنعم، وهي عين الدعاء فإنّه التوجه إلى المدعو أعظم توجه وأعظم مجامعها الصلاة. فهي وصف لله بالكمال المطلق الموجب لاختصاصه بالعبودية والسؤال.

ومثله أيضاً سورة الكافرون، فإنها سميت بالكافرون، وسميت بالمقشقشة، والإخلاص. وبالتأمل في الرابط بين هذه الأسماء نجد أنها راجعة إلى غرض واحد وهو تحقيق التوحيد العملي، والبراءة من الشرك.

إشكال آخر وجوابه

قد يرد على هذا الدليل أيضاً إشكال آخر، وهو تسمية بعض السور بأسماء الأنبياء أو القصص التي وردت فيها مع تضمنها لأسماء أنبياء آخرين أو قصص أخرى، مثل سورة يونس وهود.

والجواب على هذا ظاهر من وجهين:

أولاً: أن تكون تسميتها من باب أن هذه السورة انفردت بهذا الاسم أو القصة أو الحرف، أو تكرر ذكره فيها. كالبقرة، ويونس، وهو د، و ق، وص. وهذا لا ينافي المناسبة بين الاسم والمضمون، بل إن مراعاة المضمون أولى من مراعاة مجرد الذكر أو التكرار.

ثانياً: أنه يمكن بالتأمل الثاقب أن نجد مناسبة ظاهرة بين الاسم والغرض.

فالبقرة وإن كانت القصة لم تذكر في غير هذه السورة، إلا إننا نجد سبباً أعظم دلالة من هذا السبب، ألا وهو كون القصة دالة على حال بني إسرائيل مع أوامر الله تعالى وتعنتهم وتشددهم وتمنعهم من تلقي أمر الله تعالى، وهذا في غاية المناسبة لسورة البقرة التي تضمنت تربية المؤمنين على تلقي شريعة الله تعالى ولذلك تضمنت السورة كليات الشريعة وأصولها، فكأن الاسم شعار للمؤمنين ليحذروا من التشبه بأصحاب البقرة

قال الزركشي: ": وتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لقرينة ذكر قصة البقرة المذكورة فيها، وعجيب الحكمة فيها " ([15]). .

وفي سورة يونس نجد أن السورة تركز على الموعظة والدعوة بالترغيب ولذلك افتتحت بالتذكير بآيات الله تعالى وحال المكذبين بها، وتخلل ذلك عرض للطف الله تعالى بأوليائه، وعباده المؤمنين والتائبين، وتضمنت الموعظة بالقرآن كما قال تعالى {ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم} [يونس: 57]، ولذلك تضمنت قصة قوم يونس الذين آمنوا بعد ما دعاهم يونس وهددهم بالعذاب فكشف الله عنهم العذاب، فهذه القصة هي النموذج الإيجابي للغرض الذي تركز عليه السورة.

أما سورة هود فإنها تركز على الدعوة بالترهيب، ولذلك جاءت آياتها متضمنة للوعيد والتغليظ والتهديد كما في قوله: {[هو د: 2] وقوله: {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} إلى قوله {وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} [هو: 3 - 4]، وأشدّه ما ظهر في قصة قوم هود حين قال الله تعالى {وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعداً لعاد قوم هود} [هود: 59 - 60] ولم يعذب الله تعالى قوماً أشد من عذاب قوم هود. ويؤكد هذا الغرض قوله صلى الله عليه وسلم: ((شيبتنى هود وأخواتها)) ([16]).

وأما سورة ق وص فإنهما أكثر الحروف تكرراً في السورتين، وبالتأمل في علاقة هذه الحروف بموضونهما نجد ذلك ظاهراً فسورة ص أكثر ماورد فيها الخصومات، وسورة ق تكرر فيها لفظ القرآن والحق والقلب مرتين، وبينهما علاقة في بيان الحق بالقرآن لمن كان له قلب.

فظهر بذلك جليلاً أن لاسم السورة أثر في مضمونها وغرضها. لكن ذلك يحتاج لتأمل دقيق، وبصيرة نافذة. والله أعلم.


([1]) ((مصاعد النظر)) (ص154).

([2]) ((جواهر القرآن)) (ص17).

([3]) ((الكشاف)) (1/ 58).

([4]) ((بيان النظم في القرآن الكريم)) (ص10).

([5]) ((نظم الدرر)) (1/ 62).

([6]) ((التحرير والتنوير)) (1/ 162).

([7]) المصدر السابق (1/ 163).

([8]) ((منهجية البحث في التفسير الموضوعي)) (115).

([9]) ((تفسير ابن كثير)) (4/ 303).

([10]) ((منهجية البحث في التفسير الموضوعي)) (102).

([11]) رواه أحمد في المسند 1/ 57، وأبو داود 1/ 268ح786، والترمذي 5/ 272ح3086.

([12]) ((الإتقان في علوم القرآن)) (1/ 52).

([13]) ((نظم الدرر)) (1/ 142).

([14]) ((أسماء القرآن الكريم)) (ص147).

([15]) ((البرهان في علوم القرآن)) (1/ 270).

([16]) أخرجه الطبرانى في المعجم الكبير 5/ 427رقم 5672، أبو يعلى 2/ 355رقم 845 قال الهيثمى (7/ 37): رجاله رجال الصحيح.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير