تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال الجوهري: (((الهمُّ): الحزن، والجمع: (هموم)، و (أهمني الأمر) إذا أقلقك وحزنك، ويقال: (همَّك ما أهمك) … و (الهمّة) واحدة: (الهِمَم)، يقال: (فلان بعيد الهِمَّة) أيضًا بالفتح، و (همت بالشيء أهم) إذا أردته)) ().

من هذا العرض لمادة (همَّ) يظهر أن معناها هو: القصد والإرادة لفعل ما، فلا يمكن إسناد الفعل الى (الهمِّ)، لأن الإنسان قد يحدث نفسه بشيء ثم لا يفعله، وإنما يكون الفعل حيدما يدخل حيز التنفيذ، وهذا لم يحصل ليوسف ?، والسنة النبوية تؤيد ذلك. ومن رحمة الله ? بخلقه أنه من همَّ بحسنة ليفعلها ولم يفعلها كتبت له حسنة، كما جاء ذلك في الحديث الذي يرويه أبو هريرة ?، قال: قال رسول الله ?: (قال الله ?: إذا أهمَّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، واذا أهم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإذا عملها فاكتبوها عشرًا)) (). فهذا الذي ذكره الحديث القدسي من معنى (الهمَّ) هو الموافق للغة. قال محمد رشيد رضا: ((أجمع أهل اللغة على أن (الهمَّ) إنما يكون بالأعمال لا بالشخوص والاعيان، وتحقيق معناه أنه مقاربة لفعل تعارض فيه المانع والمقتضي، فلم يقع لرجحان المانع، وهو الموافق لقول علماء الأصول في التعارض الأعم)) ().

هذا بالنسبة إلى معنى (الهمَّ) عند اهل اللغة. أما معناه عند أهل التفسير: فإن أقوالهم في بيان معنى (الهمِّ) متقاربة، فبعضهم ينسب (الهمّ) إلى يوسف ? من حيث الظاهر، والقسم الاخر: ينزهه من ذلك، وذكروا في ذلك عدة أقوال نجملها فيما يأتي:

القول الأول: إنه كان من جنس همِّها، لولا أن الله ? عصمه الفعل، وهذا قول الحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك والسدي، وهو قول عامة المفسرين المتقدمين. واختاره جماعة منهم: ابن جرير الطبري وابن الأنباري، وأيدوا قولهم هذا بقول ابن قتيبة: ((لا يجوز في اللغة: (همت بفلان)، و (همَّ بي)، وأنت تريد اختلاف الهمّين)) ()، واحتج من نصر هذا القول بأنه مذهب الأكثرين من السلف والعلماء الأكابر، وعدَّه ابن جرير رأي السلف، وما عَدَاه من الآراء رأي من يتأول القرآن بآرائهم ().

القول الثاني: إنها همّت به أن يفترشها، وهمَّ بها بأن جلس مجلس الرجل من زوجته فحلَّ السراويل. وهذا رأي الطبري اعتمادًا على ما رواه عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة (). وبعض المفسرين يرى أن همّه بها كان على معنى التمني لأن تكون له زوجة. رواه الضحاك عن ابن عباس (). وسنناقش هذه الروايات وأمثالها في مواضعها.

القول الثالث: أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا. تقديره: ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها))، فلما رأى البرهان لم يقع منه الهم، فقدم جواب (لولا) عليها. كما يقال: (قد كنت من الهالكين لولا أن فلانًا خلصك لكنت من الهالكين)، ومنه قول الشاعر:

فلا يدْعُني قومي صريماً لحُرة لئن كنت مفتولاً وتسلم عامر ()

أراد الشاعر: لئن كنت مقتولاً وتسلم عامر فلا يدعني قوم، فقدم الجواب، والى هذا القول ذهب قطرب، وأنكره قوم منهم ابن الانباري، وقالوا: تقديم جواب (لولا) عليها شاذ مستكره لا يوجد في فصيح كلام العرب ()، وأنكره كذلك الطبري بقوله: ((إن العرب لا تقدم جواب (لولا) قبلها)) ().

القول الرابع: أنه همَّ أن يضربها ويدفعها عن نفسه، فكان البرهان الذي رآه من ربه أن الله ? أوقع في نفسه أنه إن ضربها كان ضربه إياها حجة عليه، لأنها تقول: راودني فضربني. ذكره ابن الانباري ().

القول الخامس: أنه همَّ بالفرار منها. حكاه الثعلبي، وهو قول مرذول افتراه. أراد الفرار منها فلما رأى البرهان أقام عندها ().

القول السادس: لقد همّت المرأة بيوسف وهمَّ يوسف بالمرأة، غير أن همّهما كان تمييلاً منهما بين الفعل والترك لا عزمًا ولا إرادة. قالوا: ولا حرج في حديث النفس في ذكر القلب، إذا لم يكن معهما عزم ولا فعل ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير