تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القول السابع: أن المراد بهمَّ يوسف ? بها خاطرٌ قلبيٌّ صرفه عنه وازع التقوى. وهذا لا معصية فيه، إذا فعله المكلف، وذلك مثل ميل الصائم بطبعه إلى الماء البارد، مع أن تقواه تمنعه من الشرب وهو صائم. فهذا (الهمَّ) مما لا يؤاخذ به العبد، وهذا هو الذي صدر من يوسف ?، صرفه عنه نظره في دليل التحريم أو برهان آخر رآه، فمنعه من الوقوع فيما همَّ به ().

القول الثامن: قال أبو حيان الأندلسي: والذي أختاره أن يوسف ? لم يقع منه همُّ بها البتة، بل هو منفي لوجود المانع، وهو البرهان الذي رآه (). وهذا أعدل الأقوال في تفسير الآية، وأخرتُهُ عن بقية الأقوال، لأنه الراجح، وسأذكر فيما بعد أدلة ترجيح هذا القول.

هذه هي أهم الأقوال الواردة في مسألة (الهمَّ)، وسأضرب لكل واحد منها مثالاً من أقوال المفسرين، مع مناقشة تلك الأقوال.

أولاً: من المفسرين الذين رجحوا القول الاول عمدة المفسرين ابن جرير الطبري. وقد جمع روايات كثيرة أوصل سندها الى بعض الصحابة والتابعين ?، وقد جاء بأقوال المخالفين لمذهبه ورد عليها فقال: ((وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف، وتأولوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالاً مختلفة)) ().

وعدَّ الطبري الأقوال الأخرى كلها مخالفة لقول السلف وظاهر القرآن، ووصفها بأنها من قبيل الرأي المخالف لظاهر النص، فقال بعضهم: معناه: ((ولقد همت المرأة بيوسف، وهم بها أن يضربها أو ينالها بمكروه، لهمها به بما أرادته من المكروه، لولا أن يوسف رأى برهان ربه وكفه ذلك بما همَّ به من أذاها، لأنها ارتدعت من قبل نفسها، قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله تعالى: ? كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ?، قالوا: فالسوء هو ما كان همَّ به من أذاها وهو غير الفحشاء)) ().

وقال آخرون منهم: ((معنى الكلام: ولقد همت به فتتناهى الخبر عنها، ثم ابتدأ الخبر عن يوسف ?، فقيل: وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه)) (). وضعف الطبري هذين القولين بقوله: ((ويفسد هذين القولين أن العرب لا تقدم جواب (لولا) قبلها، فلا تقول: (لقد قمت لولا زيد)، وهي تريد: لولا زيد لقد قمت، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله)) ().

وقال آخرون: ((بل قد همت المرأة بيوسف وهمَّ يوسف بالمرأة، غير أن همَّها كان تمييلاً منهما بين الفعل والترك، لا عزمًا ولا إرادة، قالوا: ولا حرج في حديث النفس ولا في ذكر القلب، إذا لم يكن معهما عزم ولا فعل)) () أ. هـ كلام الطبري.

أما ردّه رحمه الله على القول الأول الذي ذكره فإنه يمكن أن يكون القول به بعيد عن الظاهر، ولا دليل عليه، يقول فخر الدين الرازي في معرض رده على الطبري: ((سلمنا أن (الهمَّ) قد حصل، إلا أنا نقول (وهمَّ بها) لا يمكن حمله على ظاهره،، لأن تعليق (الهمَّ) بذات المرأة محال، لأن (الهمَّ) من جنس القصد، والقصد لا يتعلق بالذوات الباقية، فثبت لا بدَّ من تقدير فعل مضمر يغاير ما ذكروه. فيوسف كان يدفعها عن نفسه ومنعها عن ذلك القبيح، فوجب أن يحمل في حق كل أحد على قصده، فاللائق بالمرأة القصد إلى تحصيل اللذة، واللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد إلى زجر العاصي عن معصيته)) ().

أما ردّ الطبري على القول الثاني، فإن ما ذكره الطبري فيه نظر، لأن من العرب من يجيز تقديم جواب (لولا) عليها. وهذا ما عليه الكوفيون وبعض البصريين. كما سيأتي لاحقًا. وأما الثاني الذي ضربه وهو (لقد قمت لولا زيد) وقدَّر بقوله: (لولا زيد لقد قمت)، فمثاله هذا يختلف عن قوله ?: ? ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ?، فالآية يتوسطها حرف عطف وهو (الواو)، وهو عاطف لجملة (هم بها لولا أن رأى برهان ربه) على جملة (ولقد همت به) (وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) كما صوَّره الطبري. وعلى هذا تكون جملة (وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) مختصة بيوسف وليست معطوفة على الجملة التي تختص بـ (هَمِّ المرأة))) ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير