تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما ردّه على أن هذين القولين يخالفان جميع أهل العلم بتأويل القرآن إشارة منه إلى الروايات التي ساقها فهذا فيه نظر، لأننا لا نعتقد بصحة تلك الأخبار عمَّن نقلت عنهم، حتى وإن صحَّ بعضها فهي منقولة عن بعض أهل الكتاب، علمًا أن الطبري قد رجّح القول: إن (الهمَّ) قد صدر منه، لولا أن الله ? عصمه، فثبت القول بما هو الظاهر، وسلم للروايات التي تطعن بالنبي يوسف ?. ووصف من خالفها بأنها من قبيل الرأي، ويترتب على رأي الطبري ومن وافقه أن تبقى جملة (لولا أن رأى برهان ربه) من دون فائدة، فإذا كان (الهمَّ) قد حصل منها ومنه، كلّ واحد منهما بالآخر، وجلس منها مجلسه الذي ذكروه فما معنى: (لولا أن رأى).

مناقشة الرازي للطبري:

أما تفسيرهم لكلمة (السوء) على أنها تشير إلى ما همَّ به من إيذائها، فذلك فيه نظر، لأن (السوء) جناية اليد، و (الفحشاء) هو الزنا، وكما أن السوء مقدمات الفاحشة، وقالوا: صرف الله عنه مقدمات الزنا وهو السوء، وصرف عنه الزنا وهو الفحشاء، وقد فسرها آخرون بتفسيرات أخرى غير ذلك ()، وقالوا: نقدر جوابًا لـ (لولا) فنقول: (لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما همَّ به).

نقول: إن اللغة لا تسعفكم على هذا التقدير، لأنه لا دليل على الجواب المحذوف الذي قدمتموه، وأيضًا فإن تقديركم قادح بمقام النبوة ليوسف ?، فتقديركم معناه: إنه لولا وجود البرهان في تلك اللحظة، لارتكب الفاحشة، مما يدل على أنه كان مصرًّا عليها (وحاشاه)، بل إن هذا المعنى تؤكده بعض رواياتكم، إذ تروي أنه ? سمع مناديًا من السماء يزجره فلم يصغِ إليه حتى رأى صورة أبيه … فهذه الروايات التي تنسب الى يوسف (الهمَّ) المحرم، تنسب إليه التمادي وعدم الانصياع إلى صوت أبيه لا تليق بالفسقة، فضلاً عمَّن زينه الله بالنبوة، وعصمه من كل عمل شائن.

وهذه الروايات التي ساقها الواحدي، وصفها الرازي ((بأنها تصلف وتجاوز على مقام النبوة. ولو أن الواحدي وصفها بقوله: (هذا الذي ذكرناه قول أئمة التفسير الذي أخذوا التأويل عمَّن شاهدوا التنزيل)، إلا أنها أقوال تفتقر إلى الحجة والدليل)) ().

ثانيًا: من المفسرين الذين رجَّحوا أن (الهمَّ) هوعبارة عن أمر جبلي الإمام فخر الدين الرازي، فبعد أن ذكر الأوجه التي فُسِّر بها (الهمَّ)، يرى أن (الهمَّ) هنا الهم الجبلي وحديث النفس، فيقول: ((والثالث: أن يفسر (الهمَّ) بحديث النفس، وذلك لأن المرأة الفائقة في الحسن والجمال إذا تزينت وتهيأت للرجل الشاب القوي، فلا بد وأن يقع هناك بين الحكمة والشهوة الطبيعة وبين النفس والعقل مجاذبات ومنازعات، فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة، وتارة تقوى داعية العقل والحكمة، فـ (الهمّ) عبارة عن جواذب الطبيعة، ورؤية (البرهان) عبارة عن جواذب العبودية. ومثال ذلك أن الرجل الصالح الصائم في الصيف إذا رآى الجلاب المبرد بالثلج فإن طبيعته تحمله على شربه، إلا أن دينه يمنعه منه، فهذا لا يدل على حصول الذنب، بل كلما كانت هذه الحالة أشد كانت القوة في القيام بلوازم العبودية أكمل، فقد ظهر بحمد الله تعالى صحة هذا القول الذي ذهبنا إليه، ولم يبقَ في يد الواحدي إلا مجرد التصلف وتعديد أسماء المفسرين)) ().

وهذا المعنى الذي ذكره الرازي مال إليه القونوي في حاشيته على تفسير البيضاوي وضعف قول البيضاوي الذي يرى استعمال (الهمَّ) في غير العزم المصمم مجازًا بقوله: ((وهذا غير ظاهر، فالأَوْلى تعميم (الهم) الى العزم المصمم وغيره))، وكما ردَّ القونوي على البيضاوي تفسيره (الهم) بالشيء قصده والعزم عليه بقوله: ((يشعر كلامه بأنه معتبر في مفهوم (الهم) وليس كذلك، بل هو يطلق على خاطر النفس من غير اختيار)) ().

وما ذكره الرازي رحمه الله من أن (الهمَّ) حديث النفس وجواذب الطبيعة جميل، ولكنه يتقاطع مع كلامه في تعديد الشواهد على تبرئة يوسف ?، والتي سيأتي ذكرها في مبحث البرهان ()، إذ يربط فيها بين قوله ?: ? إنه من عبادنا ? في سورة يوسف بقوله ?: ?وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً [سورة الفرقان، آية 63] ?.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير