تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذ يجعل يوسف ? من عباد الله المقصودين في هذه الاية، وهو منهم فعلاً. ولكن ألا يرى الإمام الرازي أن كون يوسف ? من عباد الله هؤلاء يؤكد أنه لم يهمَّ بها ابتداءً.

وهذا يفسره قوله ?: ? وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون [سورة يوسف، آية 23] ?.

فقوله: ? هيت لك ? خطاب الجاهلين، وقوله: ? معاذ الله ? بمثابة قوله: ? سلامًا ?، إذن فهو ? ابتداءً وبمجرد إعرابها عن رغبتها كان واضعًا نصب عينيه تقوى الله وبرهانه، فلم يقع منه الهمَّ أصلاً، لأنه من عباد الله المخلصين. ويردُ على رأي الرازي رحمه الله ومن وافقه من أن عبارة ? لولا ان رأى برهان ربه ? تظل من دون فائدة ولا معنى، فإذا إنها همت به وهمَّ بها مع الاختلاف بين الهمَّين، كما ذكر أهل اللغة ()، فلا يبقى داعي لأن يقول: ? لولا أن رأى برهان ربه ?، فما فائدة البرهان حينئذ وقد حصل منه الهم؟ قالوا: نقدر (لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به) فنقول، كما قلنا سابقًا: لا دليل من حيث اللغة على تقدير هذا الجواب لـ (لولا)، وأيضًا فذلك قادح في عصمته ?.

ويمكن أن يجيب الرازي عن هذا السؤال بقوله: ((إنه لو لم يوجد (الهمَّ) لم يبقَ لقوله: ? لولا أن رأى برهان ربه ? فائدة، نقول: بل فيه أعظم الفوائد منها: أن ترك الهم بها ما كان لعدم رغبته في النساء، بل لأجل أن دلائل دين الله منعته عن ذلك العمل)) ().

ثالثًا: القول الذي يذهب إلى أن يوسف ? لم يهمَّ أصلاً وابتداءً، وذلك لوجود البرهان. ومن القائلين به أبو حيان الأندلسي، ومن المتأخرين ابن عاشور.

قال أبو حيان في تفسيره لقوله ?: ? ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ?: طوّل المفسرون في تفسير هذه الآية، ونسب بعضهم ليوسف ? ما لا يجوز نسبته إلى آحاد الفساق، والذي أختاره أن يوسف ? لم يقع منه همَّ بها البتة، بل هو منفي لوجود البرهان، كما تقول: (لقد فارقت لولا عصمك الله)، ولا نقول: إن جواب (لولا) متقدم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها، وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون، ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصاري وأبو العباس المبرد.

بل نقول: إن جواب (لولا) محذوف لدلالة ما قبله عليه، كما يقول جمهور البصريين في قول العرب: (أنت ظالم إن فعلت)، فيقدرونه: إن فعلت فأنت ظالم، ولا يدل قوله: (أنت ظالم) على ثبوت الظلم، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل. وكذلك هنا التقدير: لولا ان رأى برهان ربه لهم بها، فكان وجود (الهم) على تقدير انتفاء رؤية البرهان، لكنَّه وُجد رؤية (البرهان) فانتفى (الهمَّ). ولا التفات إلى قول الزجاج: ولو كان الكلام: (ولهم بها) كان بعيدًا، فكيف مع سقوط اللام؟ لأنه يوهم أن قوله: ? وهمَّ بها ? هو جواب ? لولا ?، ونحن لم نقل بذلك، وإنما هو دليل الجواب، وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب، فاللام) ليست بلازمة، لجواز أن تأتي جواب (لولا) إذا كان بصيغة الماضي باللام وبغير اللام، تقول: (لولا زيد لاكرمتك)، و (لولا زيد أكرمتك)، فمن ذهب إلى أن قوله: ? وهم بها ? هو نفس الجواب لم يبعد ().

ولا التفات لقول ابن عطية: إن قول من قال: إن الكلام قد تمَّ في قوله: ? ولقد همت به ?، وإن جواب (لولا) في قوله: ? وهم بها ?، وإن المعنى: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فلم يهمَّ يوسف ?، قال: وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف.

أما قوله: يرده لسان العرب فليس كما ذكر، وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب، قال ?: ? إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين [سورة القصص، آية 10] ?.

فقوله ?: ? إن كانت لتبدي به ?،ِ إما أن يتخرج على أنه الجواب على ما ذهب اليه ذلك القائل، وإما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب، والتقدير: لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير