تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من خلال دراستنا لرجال الإسناد ظهر لنا أن رجاله لا يوجد فيه من جرحه العلماء بجرح يوجب رد روايته، إلا أن ابن عيينة كما نص ابن القطان أنه اختلط. وذهب ابن حجر إلى أنه تغير في آخرة عمره، ولعل هذه الرواية رواها حين اختلط وتغيره، هذا من جهة السند. وأما من ناحية المتن فإن هذا الأثر قد طعن به غير واحد من الحفاظ، فقد ذكر ذلك أبو عبيد القاسم بن سلام بقوله: ((وقد أنكر قوم هذا القول وقالوا: هذا لا يليق بحال الأنبياء)) (). وأنكرها الإمام الرازي بقوله: ((إن يوسف ? كان بريئًا عن العمل الباطل والهم المحرم، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين، وبه نقول وعنه نذب)) ().

ولا يلتفت إلى ما نقله بعض المفسرين عن الأئمة المتقدمين، فإن الأنبياء عليهم السلام متى صدرت منهم زلة أو هفوة استعظموها واتبعوها بإظهار الندامة والتوبة، وأما يوسف ? فلم يحك عنه شيء من ذلك في هذه الواقعة، لأنه لو صدر منه شيء لأتبعه بالتوبة والاستغفار، ولو أتى بالتوبة لحكى الله ? ذلك عنه في كتابه، كما ذكر عن غيره من الأنبياء، وإذ لم يحك عنه شيئاً علمنا براءته ().

وأما ما روي عن ابن عباس: (أنه جلس منها مجلس الخاتن) فحاش ابن عباس أن يقول مثل هذا عن يوسف ?، ولعل بعض أصحاب القصص والأخبار وضعوه عن ابن عباس، وكذلك ما روي عن مجاهد وغيره أيضًا أنه لا يكاد يصح بسند صحيح. وبطل ذلك كله ().

وكما أن ما جاء في هذا الأثر يتعارض مع النصوص القرآنية الدالة على عدم صدور (الهمِّ) منه باعتراف امرأة العزيز بأنها هي التي راودته كما نص على ذلك الرازي عند تفسيره لقوله ?: ? انه من عبادنا المخلصين ? بقوله: ((فوروده باسم الفاعل يدل على كونه آتيًا بالطاعات والقربات مع صفات الإخلاص، ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه واصطفاه لحضرته، على كلا الوجهين فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزهًا عمَّا أضافوه إليه)) ().

وبهذا ظهر أن هذه الرواية من جهة المتن لا تصح نسبتها إلى ابن عباس، وإنما هي من الروايات الإسرائيلية، وسيأتي الكلام على نقد باقي الروايات من حيث المتن في المطلب الثالث.

المطلب الثالث: نقد المحققين من المفسرين لمضمون الروايات التي ساقها الطبري

ومن الإسرائيليات المكذوبة التي لا توافق عقلاً ولا نقلاً ما ذكره ابن جرير في تفسيره وصاحب (الدر المنثور) وغيرهما من المفسرين في قوله ?: ? ولقد همت به وهم بها ? فقد ذكروا في همِّ يوسف ? ما ينافي عصمة الأنبياء وما يخجل القلم من تسطيره. ولولا أن المقام مقام بيان وتحذير من الكذب على الله ورسوله وهو من أوجب الواجبات على أهل العلم، فقد رووا عن ابن عباس أنه سئل عن همّ يوسف ? ما بلغ؟ قال: حل الهميان، يعني: السراويل، وجلس منها مجلس الخاتن فَصِيحَ به: يا يوسف لا تكن كالطير له ريش، فإذا زنى قعد ليس له ريش، ورووا مثل هذا عن علي بن أبي طالب ? وعن مجاهد وعن سعيد بن جبير ().

إن هذه الروايات التي درسناها من جهة الإسناد وظهر لنا من خلال دراستها من جهة النظر في سلسلة الأسانيد وطرقها بأنها لم يصح منها سند واحد، وأغلبها ضعيفة وبعضها موضوع، وفي هذا المطلب سنتعرض لنقدها من جهة المتن أو المضمون من خلال ما قاله المحققون من المفسرين الذين لم يقبلوا هذه الروايات.

1. الزمخشري: قال الزمخشري معقبًا على تلك الروايات بقوله: ((وهذا ونحوه مما يورده أهل الحشو والجبر الذين دينهم بَهْتُ اللهِ تعالى وأنبيائه وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بحمد الله بسبيل، ولو وُجدت من يوسف ? أدنى زلة لنعيت عليه وذكرت توبته واستغفاره، كما نعيت على آدم ? زلته، فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام الرحض، وأنه جاهد نفسه مجاهدة أولي القوة والعزم ناظرًا في دليل التحريم ووجه القبح حتى استحق من الله الثناء فيما أنزل من كتب الأولين، ثم في القرآن الذي هو حجة على سائر كتبه ومصدق لها، ولم يقتصر على استيفاء قصته وضرب سورة كاملة عليها، ليجعل له لسان صدق في الآخرين، كما جعل لجده الخليل ابراهيم ?، وليقتدي به الصالحون إلى آخر الدهر في العفة وطيب الأزار والتثبت في مواقف العثار، فأخزى الله أؤلئك في إيرادهم إلى أن يكون إنزال الله السورة التي هي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير