وعند أحمد، رحمه الله، في "مسنده" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ: الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَة.
وعنده، أيضا، في المسند من حديث أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه، مرفوعا: "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَة".
والإفراط مظنة الملل والترك، فإن النفس سريعة النفور، فليس من حسن السياسة حملها على وتيرة واحدة، لئلا تنقلب من ضد إلى ضد، فلا إفراط ولا تفريط.
ولذلك كانت أمة الإسلام: خير الأمم لوسطية أخبارها وأحكامها وسياساتها وأخلاقها، وكان أهل السنة خير الفرق لوسطيتهم في ذلك.
والبدن آلة التكليف فإن لم تعط الآلة حظها من الاستجمام تعطلت عن أداء وظيفتها، وقد أمر الله، عز وجل، رسله، صفوة خلقه، بتعاطي الطيبات، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، فالطيبات: غذاء الأبدان، والصالحات غذاء الأرواح.
وجعل النكاح لهم سنة، فقال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً).
ومع تشديد الرهبان على أنفسهم بالتزام ما لا يلزم: لم يوفوا به، فتوجه الذم إليهم من جهة: الابتداع أولا، ومن جهة عدم التزامه ثانيا.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"فإن قيل: قوله تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}. يدل على أنهم لو رعوها حق رعايتها لكانوا ممدوحين.
قيل: ليس في الكلام ما يدل على ذلك بل يدل على أنهم مع عدم الرعاية يستحقون من الذم ما لا يستحقونه بدون ذلك فيكون ذم من ابتدع البدعة ولم يرعها حق رعايتها أعظم من ذم من رعاها وإن لم يكن واحد منهما محمودا بل مذموما مثل نصارى بني تغلب ونحوهم ممن دخل في النصرانية ولم يقوموا بواجباتها بل أخذوا منها ما وافق أهواءهم فكان كفرهم وذمهم أغلظ ممن هو أقل شرا منهم والنار دركات كما أن الجنة درجات". اهـ
"الجواب الصحيح"، (1/ 383).
والله أعلى وأعلم.
ـ[عنزي]ــــــــ[01 - 02 - 2009, 11:43 ص]ـ
مع أنه أني لا أتفق معك في فكرتك و استنتاجك و لكني أشكرك في المسألة النحوية في كلمة "رهبانية".