تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإرضاء الرب، جل وعلا، لا يكون إلا بامتثال ما شرعه على ألسنة رسله، عليهم السلام، أمرا أو نهيا.

وقد قام الداعي إلى الرهبانية زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وانتفى المانع، إذ الصدر الأول، رضي الله عنهم، أحرص الناس على رضا الرب تبارك وتعالى، بل ووقع ذلك من بعضهم كعثمان بن مظعون، رضي الله عنه، الذي اعتزل أهله، والثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلو كانت الرهبانية خيرا لأقرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليها، ولظهر التصوف زمن الرسالة، فلما نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن هجر المباحات تعبدا، علم أن الرهبانية مذمومة شرعا، لما فيها من الغلو المفضي إلى السآمة والملل من العبادة.

وأما القول بأن الجعل في الآية: شرعي فهو مردود من وجوه، كما ذكر ابن تيمية، رحمه الله، منها:

"أن الرهبانية لم تكن في كل من اتبعه بل الذين صحبوه كالحواريين لم يكن فيهم راهب وإنما ابتدعت الرهبانية بعد ذلك بخلاف الرأفة والرحمة فإنها جعلت في قلب كل من اتبعه.

ومنها أنه أخبر أنهم ابتدعوا الرهبانية بخلاف الرأفة والرحمة فإنهم لم يبتدعوها وإذا كانوا ابتدعوها لم يكن قد شرعها لهم فإن كان المراد هو الجعل الشرعي الديني لا الجعل الكوني القدري فلم تدخل الرهبانية في ذلك وإن كان المراد الجعل الخلقي الكوني فلا مدح للرهبانية في ذلك.

ومنها أن الرأفة والرحمة جعلها في القلوب والرهبانية لا تختص بالقلوب بل الرهبانية ترك المباحات من النكاح واللحم. (فالآية قد نصت في أولها على أن الجعل في القلب، ومظاهر الرهبانية إنما تظهر على الأجساد لا القلوب، فعلم الجعل كوني يعم الممدوح: الرأفة والرحمة في القلوب، والمذموم: الرهبانية في الأجساد، والأصل في العطف الاشتراك في الحكم، وفالقول بأن الجعل كوني يعم كل المعطوفات بلا إشكال، لأن القول بأنه شرعي ينافي ما ذكر من وصفها بالمبتدعة غير المكتوبة)، وغير ذلك وقد كان طائفة من الصحابة رضوان الله عليهم هموا بالرهبانية فأنزل الله: تعالى نهيهم عن ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وثبت في الصحيحين أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أحدهم: أما أنا فأصوم لا أفطر وقال آخر: أما أنا فأقوم لا أنام وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء وقال آخر: أما أنا فلا آكل اللحم.

فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: "ما بال رجال يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال: ما هذا. قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال: مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه وثبت في صحيح مسلم عن النبي أنه كان يقول في خطبته: (خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) ". اهـ

بتصرف من: "الجواب الصحيح"، (1/ 381).

والرهبانية حادثة بعد زمن المسيح عليه الصلاة والسلام فلم يدع إليها، وإنما هي مما ابتدعته النصارى في دينها حتى خرجت عن حدود الفطرة والعقل إلى ضروب من الغلو تشبه ما كان عليه رهبان الهند والترك .......... إلخ من الأمم الوثنية التي لم تعرف النبوات، فاشتغلت بتحصيل كمال النفوس برياضات مبتدعة، فظهر الزهد الغالي في مقابل الإفراط في تعاطي الشهوات، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، فأصل البدعة مأخوذ عن أمم لم تعرف النبوات، وقد سرت هذه الطريقة إلى دين النصارى، ومنه إلى: متصوفة المسلمين الذين غلوا في الطرائق الزهدية غلوا خرج عن حد الاعتدال، والبدعة: شر وإن كان فاعلها حسن النية سليم القصد.

وقد ذم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترك المباحات تعبدا كما تقدم في حديث النفرالذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ ترك المباحات من الأطعمة والأنكحة ......... إلخ بنية التعبد: بدعة تَرْكِيَة، من الترك المضاد للأخذ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير