أولاً: اجتهادُ النبيِّ فيها فوقَ ما كانَ يجتهدُ في غيرِها، كما روتْ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها قالتْ: (وكان رسولُ اللهِ يجتهدُ في العشرِ الأواخرِ ما لا يجتهدُ في غيرِهِ) [رواه مسلمٌ]. وما أشرْنا إليهِ كذلك من شدِّ المئزرِ منه عليه الصلاةُ والسلامُ كذلك اجتهاداً منه في طاعةِ ربِهِ، فلنقتدِ بِهِ ولنتأسَ به.
ثانياً: ومنِ خصائصِ هذه العشرِ أنَّ فيها ليلةَ القدرِ كما ذكرنا وهذه الليلةُ لها خصائصُ كثيرةٌ منها:
أنَّه نزلَ فيها القرآنُ، قالَ تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَـ?هُ فِى لَيْلَةِ ?لْقَدْرِ [القدر:1]. وقالَ تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَـ?هُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـ?رَكَةٍ [الدخان:3]. قال ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: (أنزلَ اللهُ القرآنَ جملةً واحدةً من اللوحِ المحفوظِ إلى بيتِ العزةِ من السماءِ الدنيا، ثم نزلَ مفصلاً بحسبِ الوقائعِ في ثلاثٍ وعشرينَ سنةً على رسولِ اللهِ).
وُصفتْ هذه الليلةُ بأنها خيرٌ من ألفِ شهرٍ في قولِهِ تعالى: لَيْلَةُ ?لْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3]. وهذا كما قالَ أهلُ العلمِ يعني أنَّها تعدلُ بضعاً وثمانين سنةً.
وصفَ اللهُ هذه الليلةَ بأنَّها مباركةٌ كما قالَ تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَـ?هُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـ?رَكَةٍ [الدخان:3]. تنزلُ فيها الملائكةُ والروحُ، وهو جبريلُ عليه السلامُ، فتنزلُ الملائكةُ في هذه الليلةِ بكثرةٍ، والملائكةُ لا تنزلُ إلا مع نزولِ الرحمةِ والبركةِ.
وصفَها بأنَّها سلامٌ، يعني سالمةٌ لا يستطيعُ الشيطانُ أنْ يعملَ فيها سوءاً أو يعملَ فيها أذىً كما قالَ أهلُ العلمِ. وتكثرُ فيها السلامةُ منْ العقابِ والعذابِ لما يقومُ بِه العبدُ من الطاعةِ والقربةِ للهِ تعالى.
ومن خصائصِها قولُ اللهِ تعالى فيها: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4]. أيْ يفصلُ من اللوحِ المحفوظِ إلى الكتبةِ أمرُ السنةِ وما يكونُ فيها من الآجالِ و الأرزاقِ، وما يكونُ فيها إلى آخرِها. كلُّ أمرٍ محكمٍ لا يبدلُ ولا يغيرُ، وكلُّ ذلك مما سبقَ علمُ اللهِ بِهِ وكتابتُهُ لَهُ، ولكنْ يظهرُ للملائكةِ ما سيكونُ فيها ويأمرُهم بفعلِ ما هو من وظيفتِهم.
منْ قامَها إيماناً واحتساباً غفرَ له ما تقدمَ من ذنبِهِ، وقد ذكرنا الحديثَ الواردَ في ذلك في الخطبةِ الأولى.
ثالثاً: من خصائصِ العشرِ كذلك اختصاصُ الاعتكافِ فيها بزيادةِ الفضلِ على غيرِها منْ أيامِ السنةِ. وقد اعتكفَها رسولُ اللهِ كما روتْ ذلك أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها قالتْ: (كان النبيُّ يعتكفُ العشرَ الأواخرَ منْ رمضانَ حتَّى توفاه اللهُ تعالى ثمَّ اعتكفَ أزواجُهُ منْ بعدِهِ) متفقٌ عليه.
هذه أيُّها المؤمنونَ بعضُ خصائصِ هذه العشرِ، والسعيدُ من وفقَهُ اللهُ للطاعةِ وتقبلَ منْهُ والشقيُّ منْ ضيَّعَ هذه الليالي في معصيةِ اللهِ أو بلا قربةٍ للهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ[حسانين أبو عمرو]ــــــــ[12 - 09 - 2009, 06:06 ص]ـ
السلام عليكم
بارك الله فيك أخي الكريم على هذا الضبط المبارك
أما بعدُ:
إخوةَ َ الإيمانِ: لقدْ منَّ اللهُ علينا بمننٍ كثيرةٍ لا تُعدُّ ولا تُحصَى وأعظمُها شأناً وأجلُها قدْراً وأعلاها منزلة ً هذا الدينُ العظيمُ، فأيُّ نعمةٍ فوقَ أنِ اختارنا اللهُ لنكونَ من خيرِ أمةٍ أُخرجَتْ للناسِ. ولا زالتْ نعمُهُ سبحانَه تترَى {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ?للَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} إبراهيم:34
أيُّها المؤمنونَ، ومن نعمِ اللهِ علينا أنْ جعلَ لنا مواسمَ خيرٍ وعطاءٍ، نستجلبُ فيها رحمتَه ومغفرتَهُ، ونتخفَّفُ فيها من أحمالٍ من الذنوبِ، وأثقالٍ من الأوزارِ قدْ أثقلتْ الكواهلَ وأقَضَّتِ المضاجعَ، {يقال: قضَّ وأقضَّ إذا لم ينَم ْ نَوْمَة ً , وكان في مضجعه خُشْنَةٌ. وأقضَّ علي فلانٍ مضجَعه ُ إذا لم يطمئن َّ به النوم ُ} ونعودُ بعدها إنْ أحسنَّا استغلالَها صفراً من الذنوبِ كما وعدنا ربُّنا وأعلمَنا بذلك نبيُّنا. وتلك أيُّها المؤمنونَ واحدةٌ من النعمِ العظيمةِ التي ما قدَّرَها الكثيرُ منَّا حقَّ قدرِها.
¥