تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومنْ هذه النعمِ والمننِ شهرُ رمضانَ وخيرُ ما في هذا الشهرِ العشرُ الأواخرُ منه؛ لوجودِ ليلةٍ فيه هي خيرٌ من ألفِ شهرٍ كما أخبرَ اللهُ تعالى بذلك في كتابِهِ.

قالَ تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَـ?هُ فِى لَيْلَةِ ?لْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَة ُ ?لْقَدْرِ. لَيْلَةُ ?لْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تََنَزَّلُ ?لْمَلَـ?ئِكَةُ وَ?لرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ سَلَـ?مٌ هِىَ حَتَّى? مَطْلَعِ ?لْفَجْرِ [سورة القدر].

عبادَ اللهِ، ظاهرةٌ مؤسفةٌ يتألَّمُ لها المؤمنُ ويحترقُ لها قلبُه حسرةً أنْ تحدُثَ في مثلِ هذه الأيامِ المباركةِ والليالي الشريفةِ، ولا يُعرف لها سببٌ وتفسيرٌ إلا الغفلةَ ُالتي قد اشتدَّتْ واستحكمتْ حتى أعمتْ صاحبَها عن رؤيةِ الشمسِ في وضَحِ النهارِ ... وهذه الظاهرةُ أيُّها المؤمنونَ قد غدتْ واضحةًً لا تخفَى على أحدٍ ممَّنْ له أدنَى تأمُّلٍ وملاحظةٍ، حيث نرى جميعاً أنَّ الإقبالَ على العبادةِ والطاعةِ يقِلُّ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ وتأملْ عددَ المصلينَ في الأيامِ الأولى من رمضانَ وعددَهم في الأيامِ الأخيرةِ من رمضانَ يظهرْ لك الفرقُ جلياً. نقصًا كبيرًا في عددِ الذينَ يصلونَ التراويحَ وأقلُّ منهم الذينَ يصلونَ القيامَ الآخيرَ!!

فأينْ تلك الأعدادُ الكبيرةُ التي كانتْ تملأَ المساجدَ حتى لا يجد البعضُ مكاناً داخلَ المسجدِ فيصلي خارجَهُ. إنَّهُ قد يفهمُ المرءُ سبباً لهذا النقصِِ فيما لو حدثَ بعد انتهاءِ رمضانَ، وقد يجدُ لذلك تفسيراً.

لكنِ المشكلةَ ُأنَّ هذا النقصَ يحدثُ في شهرِ رمضانَ نفسِهِ والشهرُ لا يزالُ جارياً!! بلْ وفي أيِّ وقتٍ منْ رمضانَ. في أفضلِ ليالي الشهرِ، في العشرِ الأواخرِ التي فيها ليلةُ القدرِ التي قالَ فيها ربُّنا تباركَ وتعالى: لَيْلَةُ ?لْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3]. وقال صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((التمِسوهَا في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ)) [رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ]. في هذه الليالي التي كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يجتهدُ فيها (العشرِ الأواخرِ) ما لا يجتهدُ في غيرِهِ كما روتْ ذلك أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها وكذلك قالتْ رضيَ اللهُ عنها: (كان رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا دخلَ العشرُ أحيا الليلَ وأيقظَ أهلَه، وجدَّ وشدَّ المئزرَ) [رواه مسلمٌ]، كلُّ ذلك تحرياً لليلةِ القدرِ التي قالَ فيها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((من قام ليلةَ القدرِ إيماناً واحتسابا غُفرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِهِ)) [رواه البخاريُّ].

لكنِ - حرف ابتداء لا يعمل - الحسرةُ والخسارةَ ُأن تمرَّ علينا ليالي العشرِ وندركُ هذه الليلةَ العظيمةَ دونَ أن يُغفرَ لنا عياذاً باللهِ من ذلك. وإنَّ ما يَزيدُ الأسى والحزنَ أنْ تُقضَى هذه الليالي في التنقلِ بيْنَ الأسواقِ بحثاً عن أثاثٍ أو ثيابٍ أو غيرِ ذلك، فتُهجرُ المساجدُ وتُعمرُ الأسواقُ. تُهجرُ المساجدُ التي قالَ فيها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((أحبُّ البلادِ إلى اللهِ مساجدُها)) وتُعمرُ الأماكنُ التي قالَ فيها صلًَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((أبغضُ البلادِ إلى اللهِ أسواقُها)) [رواه مسلمٌ]. وفي أيِّ الليالي؟ في أعظمِ ليالي السنةِ وأفضلِها، وفي أيِّ ساعةٍ؟ في الساعةِ التي ينزلُ فيها ربُّنا تبارك وتعالى إلى السماءِ الدنيا ليعطيَ السائلينَ ويغفرَ للمذنبينَ في الثلثِ الأخيرِ من الليلِ الذي قالَ فيه رسولُنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((ينزلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا حينَ يبقَى ثلثُ الليلِ الآخرُ يقولُ: منْ يدعوني فأستجيبَ لهُ، من يسألُني فأعطيَه، من يستغفرُني فأغفرَ له)) [متفقٌ عليه].

فلا إلهَ إلا اللهُ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير