لأخيه الوليد.
والوليد وأخوه ثقتان، وقد خالفا الحسين بن ذكوان، الذي رواه من مسند شداد بن أوس، أما هما فروياه من مسند بريدة، وقد اختلفت كلمة جماعة من أهل العلم في الترجيح أو الجمع، فقال النسائي: "حسين أثبت عندنا من الوليد بن ثعلبة، وأعلم بعبد الله بن بريدة، وحديثه أولى بالصواب" اهـ. انظر "الكبرى" (6/ 150) و "عمل اليوم والليلة" برقم (580) وقال ابن مندة في "التوحيد" (2/ 79): "ورواه الوليد بن ثعلبة، فقال: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، ووهم فيه، والصواب حديث حسين" اهـ. وقال الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/ 339) بعد ذكره رواية حسين والوليد: "والأول هو المحفوظ" اهـ.
إلا أن ابن حبان ذهب إلى صحة الطريقين، فقال في "صحيحه" بعد إخراج الحديث برقم (933): "سمع هذا الخبر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، وسمعه من بُشير بن كعب عن شداد بن أوس، فالطريقان جميعًا محفوظان" اهـ.
وبيَّن الحافظ وجْه كلام من صحَّح الطريقين ومن رجّح رواية الحسين بن ذكوان، فقال بعد ذكره كلام النسائي: "قلت: كأن الوليد سلك الجادة؛ لأن جُلَّ رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه، وكأن من صحّحه جَوَّز أن يكون عن عبد الله بن بريدة على الوجهين، والله أعلم" اهـ.
قلت: الحسين بن ذكوان ثقة ربما وهم، ولاشك أن روايته وحده ليست بأقوى من رواية الوليد، وهو ثقة، فكيف إذا انضم إليه أخوه المنذر بن ثعلبة الثقة الآخر؟ لكن في السند إليه عند الطبراني: حفص بن عمر بن الصباح الرقي: صدوق فيه ضعْف على كثرة حديثه، فروايته ليست ساقطة بالكلية، ويُحتج بها في الشواهد والمتابعات.
لكن قد يقال: الحسين قد توبع أيضًا على جعْل الحديث من مسند شداد بن أوس، وإن كان في بعضها لم يُذكر بُشير بن كعب العدوي، كما سيأتي من رواية ثابت بن أسلم البناني، وتابع ثابتًا أيضًا على ذلك أبو العوام فائد بن كيسان، وهو ممن لا يُحتج به بمفرده، عن عبدالله بن بريدة، ومع ما قاله الحافظ في احتمال لزوم الوليد بن ثعلبة الجادة؛ إلا أن النفس تميل إلى جَعْل الحديث محفوظًا عن عبد الله بن بريدة من الطريقين، والله أعلم.
بقي أن يقال: إن رواية البزار في جعل سيد الاستغفار عند الجلوس في الصلاة رواية لا تصح، كما هو ظاهر من رواية من رواه عن الوليد في أذكار الصباح والمساء، والله أعلم.
ب- ومن طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت بن أسلم البناني عن عبد الله بن بريدة أن نفرًا صحبوا شداد بن أوس، فقالوا: حَدِّثْنا بشيء سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "من قال إذا أصبح: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ... " الحديث، وفيه: "غُفِر له، وأُدْخِل الجنة".
أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 120/برقم 10299)، (6/ 150/برقم 10417) بمتابعة أبي العوام لثابت، وأخرجه في "عمل اليوم والليلة" برقم (465، 581).
ج- ومن طريق كثير بن زيد عن عثمان بن ربيعة عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ألا أُخبركم بسيد الاستغفار؟ " قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: "اللهم لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك ... " الحديث، أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/برقم 316).
وهذا سند لا يُحتج به: فكثير ضعيف، وشيخه لم يرو عنه غير كثير، فهو مجهول، وانظر "الصحيحة" برقم (1747) لشيخنا الألباني – رحمه الله تعالى-.
وأيضًا فقد اختلف على كثير، وهذا يدل على اضطرابه، فرواه كثير أيضًا عن المغيرة بن سعيد بن نوفل عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: "ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ أن تقول: اللهم أنت إلهي، لا إله إلا أنت ... " الحديث، وفيه: "ما من عبْد يقولها، فيأتيه قَدَرُه في يومه قبل أن يُمسي، أو في مسائه قبل أن يصبح؛ إلا كان من أهل الجنة".
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 57/برقم 29431) والطبراني في "الكبير" برقم (7189) وفي "الدعاء" (2/برقم 315) وأخرجه أبو جعفر الفريابي في "كتاب الذِّكْر" له، انظر "النكت الظراف" للحافظ (4/ 145).
والمغيرة ذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 407) ولم يذكر عنه راويًا غير كثير، وكثير ضعيف، والراوي الضعيف إذا روى الحديث بأكثر من وجْه دلّ ذلك على اضطرابه، والله أعلم.
¥