تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يكرم به المولى عز وجل بعض المجاهدين أن لا يراهم العدو مع أن العادة تقضي برؤيتهم لظهورهم أو قربهم، ولكن الله تعالى يغشي على أبصارهم ويعمي بصائرهم فينصرفون دون أن يلحقوا أي أذى بالمجاهدين، ومن الوقائع ما حكاه لي الشيخ المجاهد أحمد قادري الذي كان ضابطا في الولاية الثالثة ومسؤولا عن الأوقاف أنه التقى دورية من الجيش الفرنسي فجأة وكان وحيدا قرب قريته فتسلق شجرة عظيمة واختفي وراء أغصانها وأوراقها وبقي يتضرع على الله تعالى بالدعاء، لكن بعض الجنود أحسوا بحركة تلك الأغصان ولما اقتربوا منه قال أحدهم إنه عصفور هيا نواصل طريقنا، فصرف الله عنه شرهم، وظن أحمد قادري أنه رآه لكنه رحمه ولم يرد قتله، والغالب أن الله تعالى أعمى بصيرته فلم يره، لأن الجيش الفرنسي لم يكن للرحمة مكان في قلوب أهله تجاه الأهالي العزل عن السلاح، بل تجاه الأطفال والنساء، فكيف تظهر رحمتهم تجاه مجاهد حامل للسلاح؟!

ولعل من الكرامات المندرجة في هذا السياق حادث هروب الشهيد مصطفى بن بولعيد من سجن الكدية بقسنطينة يوم 10 نوفمبر 1955 الذي اعتبر من ضروب الخيال، وإن من يطلع على سير ترتيب تلك العملية كما رواه شهودها يرى مظاهر العناية الإلهية والتوفيق الرباني للشيخ المجاهد أب الثورة ومفجرها رحمه الله تعالى رحمة واسعة ([19]).

ومما حكاه بعض المناضلين الذين كانوا معتقلين عام 1957م في معتقل "بول قازال" (عين وسارة اليوم) أنهم كانوا مقسمين إلى مجموعات منفصلة أقيم على كل مجموعة حراسة مشددة تمنعها من الاتصال بالمجموعات الأخرى، فسمع ذات يوم هو والشيخ حمزة بوكوشة أن ثلاثة من أعضاء الشعبة المحلية التابعة لجمعية العلماء في مدينة الأصنام قد زج بهم في إحدى تلك المجموعات بالمعتقل فعزموا على الاتصال بهم كي يسألوهم عن أخبار الحرب وسيرها خارج أسوار المعتقل، إلا أنهم علموا أن أية محاولة يقومون بها في هذا الشأن ستعرضهم لتسليط أشد وأقصى العقوبات عليهم ولا يمكنهم أن يفلتوا من تلك الحراسة المشددة المضروبة عليهم، إلا أن طلع عليهم الشيخ حمزة بوكوشة بفكرته التي استغربوها أول الأمر، فزعم أنهم بإمكانهم أن يمروا على الحارس فلا يراهم ولا يمنعهم من الوصول إلى هدفهم، فعجبوا وتشوقوا، فقال لهم، ألم يقل الله سبحانه وتعالى في سورة يس: (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) [يس/9] وفعلا قاموا بذلك ونجحت خطتهم ولم يخيبهم رب العزة سبحانه وقد أحسنوا الظن به ([20]).

تاسعا: قوة خارقة للعادة وبسالة منقطعة النظير

إنه مهما تحدثنا عن شجاعة المجاهد في سبيل الله عز وجل فلن نقدر على وصفها، إنها شجاعة تبعثها العقيدة في الله ويحدوها الطمع فيما عند الله تعالى، إنها شجاعة من لا يخشى الموت بل من استوت عنده الحياة أو الموت وربما رجح عنده الموت على الحياة أو الشهادة على النصر، ومن المجاهدين الأولين الذين كانوا يهوون الشهادة ويطلبونها الشهيد الأزهر شريط الذي شارك في حرب 1948 في فلسطين، وفي حرب التونسيين ضد فرنسا ثم دخل الجزائر وبقي معتصما بالجبال بسلاحه قبل اندلاع الثورة، ومما نقل عنه من مواقفه المشهودة أنه في إحدى المعارك التي شدد العدو فيها الحناق على المجاهدين فكاد يقضي عليهم بسلاحها الفتاك ومدرعاتها، انتصب واقفا وعض ثوبه الطويل بأسنانه وهو يطلق الرصاص، ويقول:" هل الطنك (الدبابة) رجل وأنا لست رجلا" رحمه الله رحمة واسعة ([21]).

ومن الحالات التي كانت تظهر فيها قوة خارقة للمجاهدين حالات إصابتهم بالجروح القاتلة وبتر أعضائهم، وكأنهم يرون الجنة قد دنت منهم فقاموا يستنفذون ما بقي من قواهم وينفقونها قبل فراق الحياة والانتقال إلى العالم الأخروي، في هذا يقول أحد الباحثين:" فكم أكد لنا المجاهدون الجزائريون بأنهم رأوا رأي العين المجاهد الجريح والدم ينزف نزفا، وقد عض نواجذه، وربما بتر العضو المصاب (رجل أو يد .. ) وواصل الرماية مجاهدا بإيمان لا يعد له نظير وقوة خارقة للمألوف. ويقول مجاهد في حادثة وقعت له مع بعض إخوانه من المجاهدين في "أمنوتات" (70 كم غرب بشار) سنة 1958م: إن بعض الجنود قد بترت إما أرجلهم وإما سواعدهم ومع ذلك كانوا يقاتلون جيش العدو بكل بسالة وعزيمة قوية، بل كانوا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير