فَتَظَلُّ تَقْصِدُهَا الحُتُوفُ كَأَنَّمَا فِيهَا لِكُلِّ شَبَا وحَدٍ مَوْضِعُ
فإذا تَعَاوَرَت الظُّبا صَفَحَاتِهَا وَرَمَتْ جَوَانِبَهَا الرِّمَاحُ الشُّرَّعُ
وَرَدَتْ وُرُودَ الإِبِل وهي رَوِيَّةٌ تُدْنِي السُّقَاةَ من الْحِيَاضِ وترجع ([70]).
الدرقة اللمطية في المشرق:
عُرِفت الدَّرقة اللمطية في المشرق الإسلامي، وخاصةً في مصر التي وصلتها أسلحة مغربية كثيرة بعد رحيل الفاطميين إليها، وكان خلفاؤهم في بلاد المغرب من زيريين وحماديين يرسلون إليهم هدايا، تضمُّ أحياناً كثيرةً درقاً لمطيةً، حيث بعث المعز بن المنصور بن بلكين بن زيرى سنة 420هـ/1029م، هديةً إلى الظاهر الفاطمي (395 - 427هـ/1005 - 1036م)، فيها خمسون درقةً بأغشية ديباجٍ ([71])، كما أنَّ المعز بن باديس، أهدى المستنصر الفاطمي (420 - 487هـ/1029 - 1094م)، سنة 452هـ/1060م، هديةً قُوِّمت بأربعين ألف دينارٍ، فيها درقةٌ مرصعةٌ بالجوهر كانت للمهدي ([72])، ويُعتَقَد أنَّ درقة المهدي هذه، كانت من جلود اللَّمط، مع أنَّ المقريزي لم يصرح بذلك.
وكانت الدّرق اللمطية من ذخائر الخلفاء الفاطمين، وممَّا احتوته مخازن أسلحتهم، حيث وُجد في خزانة البنود التابعة للخليفة المستنصر الفاطمي سنة461هـ/1069م، ألفٌ وتسعمائة درقةٍ ([73]).
واستمر إهداء الدَّرق اللَّمطية إلى خلفاء وملوك وأمراء المشرق حتى فترةٍ متأخرةٍ، حيث يروي ابن خلدون أنَّ السلطان أبا الحسن المنصور المريني (697 - 752هـ/1297 - 1351م)، أرسل إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر والشام (684 - 741هـ/1285 - 1341م)، هديةً كبيرةً ضمَّنها الكثير من درق اللَّمط ([74]).
وفي الأخير، يمكن اعتبار الدرق اللَّمطية من المصنوعات التي اختصت بها بلاد المغرب خلال فترة العصر الوسيط، والتي فاقت شهرتها الآفاق، وقد انتشرت في مناطق كثيرةٍ من العالم الإسلامي، حيث تهافت ملوك مصر والأندلس على اقتنائها، وقد ساعدت الصحراء الشاسعة على وجود حيوان اللَّمط، فوفرت جلوده المادة الأولية لصناعتها، باستعمال الحليب وقشر بيض النعام الذي تنقع فيه هذه الجلود سنة كاملةً.
وكانت الدَّرق اللَّمطية من عوامل قوة جيوش المنطقة في مختلف الفترات، حتى أصبح المغاربة يهددون بها غيرهم، واستمرت فعاليتها في الحرب مدةً طويلةً، حتى ظهرت البنادق وتمكنَّت العيارات النارية من اختراقها، ويبدو أنَّ اختراق الدَّرق اللمطية كان بدايةً لتراجع قوة الجيوش المغربية، وتمهيداً لاختراق المنطقة من قبل المستعمر الأجنبي فيما بعد.
([1]) ابن منظور: لسان العرب المحيط، تصنيف يوسف خياط، دار لسان العرب، بيروت، لبنان، د. ت.ط. مج.1، ص.971؛ والعَقَبُ العَصَبُ الذي تُعْمَلُ منه الأَوتار الواحدة عَقَبَةٌ العَقَبُ من كل شيءٍ عَصَبُ المَتْنَيْنِ والسّاقين والوَظِيفَين (نفسه، مج.2، ص.834.)
([2]) حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، دار الجيل، بيروت، لبنان- مكتبة النهضة المصرية القاهرة، الطبعة14، 1416هـ/1996م، ج.4، ص.379، هامش4.
([3]) المقري التلمساني أحمد بن محمد بن أحمد: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت لبنان، طبعة 1997. ج.6، ص.461.
([4]) كتاب صفة المغرب المأخوذ من كتاب البلدان، صححه ونشره "هنري بيرس"، مكتبة الدروس العليا الإسلامية، الجزائر، 1370هـ/1960م، ص.6.
([5]) ياقوت الحموي: معجم البلدان، دار صادر، بيروت لبنان، الطبعة الثانية1995م، مج.5، ص.23.
([6]) عن قبيلة لمطة أنظر ابن أبي زرع الفاسي: الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، منشورات المنصور للطباعة والنشر، الرباط المملكة المغربية، طبعة1972م، ص.120؛ ابن خلدون عبد الرحمن: تاريخ ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، مج.6، ص.241؛ ص.270.
([7]) ياقوت الحموي: المصدر السابق، مج.5، ص.23.
([8]) الزبيدي مرتضى محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض: تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق عبد الكريم الغرباوي، وزارة الإعلام الكويتية، مطبعة حكومة الكويت، 1403هـ/1983م، ج.20، ص.83.
¥