تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإن رجلا جاء لابن عباس رضي الله عنهما ليستفتيه في شأن الهجاء

وخاطبه بقوله ياابن عم رسول الله لرجل ذو إيمان وإن كان دقيق الجرم ..

والخبر كما جاء في الأغاني مسنداً:

[

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن دأب عن عبد الله بن عياش المنتوف قال

بينا ابن عباس جالس في مجلس رسول الله كف بصره وحوله ناس من قريش

إذ أقبل أعرابي يخطر وعليه مطرف وجبة وعمامة خز حتى سلم على القوم

فردوا عليه السلام

فقال يا بن عم رسول الله أفتني

قال في ماذا

قال أتخاف علي جناحا إن ظلمني رجل فظلمته وشتمني فشتمته وقصر بي

فقصرت به

فقال العفو خير ومن انتصر فلا جناح عليه

فقال يا بن عم رسول الله أرأيت امرأ أتاني فوعدني وغرني ومناني

ثم أخلفني و استخف بحرمتي أيسعني أن أهجوه

قال لا يصلح الهجاء لأنه لا بد لك من أن تهجو غيره من عشيرته

فتظلم من لم يظلمك وتشتم من لم يشتمك وتبغي على من لم يبغ عليك

والبغي مرتع وخيم وفي العفو ما قد علمت من الفضل

قال صدقت وبررت

فلم ينشب أن أقبل عبد الرحمن بن سيحان المحاربي حليف قريش

فلما رأى الأعرابي أجله وأعظمه وألطف في مسألته

وقال قرب الله دارك يا أبا مليكة

فقال ابن عباس أجرول

قال جرول فإذا هو الحطيئة

فقال ابن عباس

لله أنت أي مردي قذاف وذائد عن عشيرة ومثن بعارفة تؤتاها أنت يا أبا مليكة .. !!

والله لو كنت عركت بجنبك بعض ما كرهت من أمر الزبرقان كان خيرا لك

ولقد ظلمت من قومه من لم يظلمك وشتمت من لم يشتمك

قال إني والله بهم يا أبا العباس لعالم

قال ما أنت بأعلم بهم من غيرك

قال بلى والله يرحمك الله

ثم أنشأ يقول

أنا ابنُ بَجْدتِهم علماً وتجربةً ... فسَلْ بسعدٍ تَجدْنِي أعلمَ الناسِ

سعدُ بن زيد كثيرٌ إن عددْتَهُم ... ورأسُ سعدِ بن زيد آلُ شَمَّاسِ

والزبرقان ذُنَاباهم وشرّهُم ... ليس الذُّنابَى أبا العباس كالراسِ

فقال ابن عباس أقسمت عليك ألا تقول إلا خيرا

قال أفعل ثم

قال ابن عباس يا أبا مليكة من أشعر الناس

قال أمن الماضين أم من الباقين قال من الماضين قال الذي يقول

ومن يجعل المعروفَ من دون عرضه ... يَفِرْهُ ومن لا يَتَّقِ الشتم يُشْتَمِ

وما بدونه الذي يقول

ولستَ بمستبقٍ أخّا لا تَلُمُّه ... على شَعَثٍ أيُّ الرجال المهذَّبُ

ولكن الضراعة أفسدته كما أفسدت جرولا

يعنى نفسه والله يا بن عم رسول الله لولا الطمع والجشع

لكنت أشعر الماضين فأما الباقون فلا تشك أني أشعرهم

وأصردهم سهما إذا رميت

] انتهت الرواية

ولا أستبعد مثل هذا من الحطيئة ويكفي قوله الشهير الخالد:

[لا يذهب العرف بين الله والناسِ]

دليلاً على أنّ اللسان الذي نطق بهذا البيت هو الذي نطق بذياكم البيت الورع

ومما ثبت أن الأبيات للحطيئة ما ذكره صاحب الأغاني بإسناده:

أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال قال أبو عدنان

لما حضرت عبيد الله ابن شداد الوفاة دعا ابنه محمد

فأوصاه وقال له يا بني أرى داعِي الموت لا يقلع

وبحق أن من مضى لا يرجع ومن بقي فإليه ينزع

يا بني ليكن أولى الأمور بك تقوى الله في السر والعلانية

والشكر لله وصدق الحديث والنية فإن للشكر مزيدا

والتقوى خير زاد كما قال الحطيئة

ولست أرى السعادة َجمعَ مال ... ولكنّ التقيّ هو السعيدُ

وتقوَى الله خيرُ الزاد ذخرا ... وعند الله للأتقَى مَزِيدُ

وما لا بدّ أن يأتي قريبٌ ... ولكنّ الذي يمضي بعيدُ

]

والله أعلم

أما الأسلوب فالبيت الأخير بدوي القريحة في بساطته ..

ولا يشترط أن يكون الشعر جافياً كيما يقال أن صاحبه أعرابيّ

فالحطيئة كان مثقّفاً لشعره متعاهدا له بالتنقيح فلا يُستغرب أن يقولها

والله أعلم ..

بارك الرحمن في حضوركم ومناقشتكم ..

وزادنا الله بكم علماً ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير