ـ[محمد أبو النصر]ــــــــ[24 - 04 - 2009, 01:32 ص]ـ
النموذج الثاني رواية (ميرامار)
" فرأيت أمامي وجها انشرح لمرآه صدري، من النظرة الأولى انشرح له صدري، وجه أسمر لفلاحة مطوقة الرأس و الوجه بطرحة سوداء " (1)
نجيب محفوظ لم يكن مولعا برصد الحياة الريفية كما أشرنا من قبل لكن في هذه الرواية نجده يرسم لنا لأول مرة ملامح الفتاة الريفية من خلال شخصية (زهرة) واستعمل للشخصية اسم يدل على البيئة الريفية ونجح نجيب محفوظ في رسم الشخصية الريفية بكل صفاتها التي تتمتع بها أي إمرأة ريفية حيث القوة الجسدية و الأخلاقية والشجاعة و الجرأة و الاعتداد بالنفس وعلى الرغم من أن البدايات الأولى لزهرة في البنسيون شهدت تغيرا في ملابسها فهى لم تستمر بالجلباب الفضفاض ولكنها بعد أيام غيرت ملابسها وأهتمت بشعرها
" هكذا خطرت زهرة في فستان من الكستور فصل على جسمها الرشيق ليبرز محاسنه، ربما لأول مرة، بعد طول اختفاء تحت الجلباب الفضفاض المسترسل حتى الكعبين، ومشط شعرها جيدا بعد أن غسل بالجاز ثم فرق في وسط الدماغ ليجتمع في ضفيرتين انسابتا في امتلاء وراء الأذنين " (2)
شخصية زهرة رُسمت لنا من خلال عيون الأشخاص الخمسة فكلهم أعجبوا بشخصيتها ولكن باختلاف تفكيرهم وظروف حياتهم فزهرة بشخصيتها استطاعت أن تؤثر في المتواجدين حولها إما بالسلب أو الإيجاب فإذا نظرت مثلا لشخصية (حسني علام) الشاب الأرستقراطي الذي له سجل حافل بالمغامرات النسائية الناجحة و الفاشلة لا يشغل تفكيره غير اصطياد الفتيات و القضاء معهن أحلى الأوقات فعندما رأى زهرة عرف أنها ليست كباقي فتيات المدينة فمازالت في وجهة نظره أرض بكر
" جسدها قوي رشيق مفصل المحاسن، وإن صدق ظني فهى لم تحبل، ولم تجهض بعد " (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
1 - رواية ميرامار – نجيب محفوظ / دار الشروق 2005 (ص 35)
2 - نفس المصدر (ص 41)
2 - نفس المصدر (ص 91)
(8)
نجد أيضا أن نجيب محفوظ من خلال الأحداث يوضح لنا مدى قوة شخصية زهرة وشجاعتها وجرأتها الفائقة التي قد تكون في نظر البعض تصرفات لا تصدر إلا من الشخصيات ذات التفكير الريفي المحدود فنرى مثلا أن زهرة قامت بصفع ثلاثة من الرجال في البنسيون هم (طلبة مرزوق) و (حسني علام) و (سرحان البحيري) وكلهم كانت لزهرة كل الحق في هذا التصرف فطلبة مرزوق عندما أراد أن تدلكه زهرة وهو في الحجرة شبه عار لم تألف زهرة مشهدا كهذا فقامت بصفعه
" أردا أن أدلكه، لم أسمع شيئا عن ذلك من قبل، دخلت حجرته بنية سليمة فرأيته منطرحا على وجهه شبه عار! (1)
فزهرة الفلاحة القوية لم يغلبها أحد مهما كانت منزلته ومهما كانت قوته فهى الفلاحة التي تؤمن بأن الشرف هو العرض و الأرض والحرص عليهما هو الحفاظ على حياة كريمة وسط المجتمع فنى أيضا المؤلف يرصد لنا من خلال الفلاش باك حادثة تؤكد ما يصرعليه طول الرواية بأن زهرة لاتخاف أحدا ولا تخشى أي إنسان يحاول أن يغتصب حقها فتحدث صديقها (عامر وجدي)
" أراد زوج أختي أن يأكلني فزرعت أرضي بنفسي!
- الم يشق عليكي ذلك يا زهرة؟
- كلا، إني قوية بحمد الله، لم يغلبني احد في المعاملة لا في الحقل و لا في السوق " (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
1 - المصدر السابق (ص 47)
2 - المصدر السابق (ص 42)
(9)
وموقف أخر كان أشد وطأة على نفس زهرة عندما هربت من القرية لكي لا تتزوج من الرجل العجوز وعلى الرغم من توسلات أختها وإقناع زوج أختها لها بالرجوع وموقف أهل القرية من هروبها إلا أنها ظلت قوية وشجاعة تقابل هذه المواقف بثقة تامة في النفس وهذا نابع بأن هذا هو حقها في الحياة فلأبد من الدفاع عنه فلا رجوع للقرية مرة أخرى لأنها ترى في القرية رمزا للمهانة و الذل و الفقر و الجهل
" لن أرجع و لو رجع الأموات.
وهم زوج أختها بالكلام ولكنها بادرته: لا شأن لك بي! (1)
بينما رأت في المدينة عكس ذلك تماما على حد قول نجيب محفوظ
"هنا الحب و التعليم والنظافة و الأمل! " (2)
ولابد هنا أن نلاحظ الترتيب فلم يكن عشوائيا لكنه كان مقصودا فهى في سن يبحث عن الحب، فهى هربت من الجواز التقليدي وأيضا رفضت الجواز من بائع الجرائد لهذا السبب بحثا عن الحب الحقيقي وهى طموحة لن تستطيع الوصول لهدفها إلا بالعلم فبالتعليم سيرتقي مستواها الاجتماعي، وهى أيضا تدرك مدى جهل القرية وأول ملمح فيه يندرج تحت النظافة، ثم صنع نسيج من الأمل في الحياه ليكسبها طعم ومذاقا خاصا.
وعلى الرغم من نهاية حبها مع سرحان البحيري وفشلها في إقناعه بأنها أفضل من المدرسة التي خطبها وتزوجها وهذا الفشل كان سببه سرحان البحيري الانتهازي نجد أن المؤلف يصنع لنا خيطا أخر وهو طلب منصور باهي الإذاعي الناجح الزواج منها لكنها تأبى نهاية المطاف وترفض معللة أنها لن تقبل على كرامتها العطف و الإحسان وخاصة في الزواج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
1 - المصدر السابق (ص 68)
1 - المصدر السابق (ص 69)
(10)
" أنت كريم نبيل، وعطفك يدفعك في طريقه بلا تفكير، كلا، لن أقبل ذلك، وأنت لا تعنيه، كلا و لا تعد إلى ذلك ... إني أشكر عطفك وأقدره، ولكني لا أستطيع أن أقبله " (1)
نجيب محفوظ هنا في هذه الرواية كأنه يقول لمن تجنوا عليه كلية بأنه ظلم المرأة كثيرا وكأنه يصالح من لامه لموقفه من المرأة نجده بالفعل يجسد المرأة في شخصية زهرة ولا يعتريني هنا الرمز لزهرة أكانت لمصر أو لشيء أخر المهم هو أنه أظهر المرأة المصرية الفلاحة بشكل أنصفها تماما ولاحظنا هذا من خلال قوتها وشجاعتها وجرأتها المعتادة فتركيزي كان منصبا على هذا في هذه الرواية ولم يكن هذا اعتباطا مني لكنه كان عن قصد لنصل في النهاية إلى إجابة السؤال هل حقا نجيب محفوظ لم ينصف المرأة؟
¥