تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[موسيقى الشعر وقصيدة النثر تأويل الإيقاع في شعر طاه]

ـ[أبو حسن المنصوري]ــــــــ[04 - 02 - 2010, 01:49 م]ـ

موسيقى الشعر وقصيدة النثر تأويل الإيقاع في شعر طاهر رياض

شهد الشعر العربي في الثمانينيات من القرن العشرين أزمة بالغة تجلت في انحسار قراءة الشعر، وخفوت إيقاع تلقيه إلى درجة العزوف التام، أحيانا، من النخبة وغير النخبة. ومما له دلالة على ضخامة هذه الأزمة وانتشارها الاستفتاء الذي أجرته مجلة الناقد في غير عدد (1988 - 1989)، تحت عنوان معبر «محنة الشعر العربي الحديث». وتنبثق هذه المحنة، برأي كثير ممن جرى استفتاؤهم، عن انقضاء المعنى في الشعر، إذ تحولت كثير من النصوص الشعرية إلى لعبة بلاغية (بالمعنى الرث للعبة) تلاحق المدهش والغرائبي إلى درجة الهذيان، وربما، الاستخفاف باللغة والمتلقي معا، فيما نجده من «ثورات» شعرية: قصيدة (البياض)، قصيدة (اللغة)، قصيدة (الرسم والتصوير).

وبنفض يديها من المعنى خلت هذه النصوص من الحساسية الشعرية لتصير إلى مجموعة مركومة، لا متراكمة، من الصور المبهمة والمطلسمة. إنها محنة تولد من رحم «ميتات الحداثة» لتضيف إليها ميتات: موت المعنى، موت النص، موت القارئ. وقد لا نعدم جمالية ما في هذه النصوص، لكنها أشبه بجمال قبر مزين مزركش بألوان فاقعة.

وقد بدأ الشاعر طاهر رياض مسيرته الشعرية في زمن المحنة (أول إصداراته عام 1983)، لكنه لم ينزلق في مآزقها، إذ حرص منذ البداية على استقلالية صوته الشعري، الاستقلالية الفعلية المتمثلة في خصوصية شعره وتفرده، لا الاستقلالية الزائفة في هذه الفترة التي سارت بالشعر إلى التغريب، وهذر التمارين البلاغية.

ويصعب تصنيف شعره ضمن أي من التيارات الشعرية السائدة في الشعر العربي الحديث، سواء المعاصرة له، أم السابقة عليه. وليس من السهل، أيضا، أن نصف شعره، ناهيك عن أن نصنفه، بالكلمة المحرجة «الحداثة»، كما اندفع يوسف سامي اليوسف في وصف/ تصنيف (حلاج الوقت) بأنها «إنجاز حداثي من الغلاف إلى الغلاف»، ذلك أن أي مفهوم من المفاهيم العديدة للحداثة لا ينطبق على شعره، لا المفهوم الرسمي الذي أسس له أدونيس وأبو ديب شعرا وتنظيرا وتطبيقا، والقاضي بأن الحداثة إحداث «قطيعة» تامة مع التراث، «وانبتات» عن الجذور، «واجتثاث» للجذور، على نحو لا يبقى بينهما من مشترك إلا اللغة، ولا المفهوم الألطف، أو الملطف، الذي يقرر الحداثة على أنها «صراع» الحديث مع القديم الذي «شاخ»، أو مواجهة الحديث للقديم. فلا نكاد نقع على أي صراع بين «حديث» طاهر رياض و» قديم» الشعر العربي، فحديثه يضرب في جذور القديم ويولد من رحمه.

وقد أفصح طاهر عن ذلك بوضوح تام، بقوله: «إن كل ما أسعى إليه هو كتابة قصيدة كلاسيكية، قصيدة عربية كلاسيكية، ترسخ جذورها في عمق التجربة الشعرية العربية، وتتغذى بكل قطرة مطر عابرة، مهما كان مصدرها الغيمي، وكل هبة ريح ولسعة شمس». وذلك بناء على رؤيته للتجديد في الشعر، إذ يقول: «إن القصيدة العربية لن تمتلك هويتها المميزة وسماتها الخاصة ما لم تعد اتصالها بجذورها الفنية». ولا يعني ذلك تقليد النماذج الشعرية التراثية، أو استنساخها، ولا اجترار الذاكرة، إنما الأمر عنده أن التراث داخل في نسيج تكوين المرء الوجودي والثقافي والوجداني.

ويمكن لنا أن نسمي الاتجاه الشعري الذي يؤسس له طاهر رياض بالكلمة الذكية في العربية: الأصالة، فهي على معنيين الأصالة التراثية الجماعية والأصالة الذاتية الفردية؛ التجذر في القديم: أَصْلُ الشيء أساسه، أَصُل الرجل نسبه، أَصُلَ الشيء ثبت وقوي، الأصولية ارتباط الخلف بالسلف، والتفرد الذاتي: الأسلوب الأصيل هو الأسلوب المبتكر، النسخة الأصلية للشيء هي وجوده المتفرد في المكان والزمان المرتبط بموجده، أصالة التفكير جدته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير